آخر من أفرغ في وقتنا فنون المقال، في قوالب السحر الحلال، وقيد شوارد الألباب، بأرق من ملح العتاب، وأرق من غفلات الشباب؛ وكورة تدمير أفقه الذي منه طلع، وعارضه الذي فيه لمع، وإنما ذكرته في هذا القسم الغربي مع أهل إشبيلية لأنها بيت شرفه المشهور، ومسقط عيشه المشكور، طرأ عليها منتحلاً للطلب، وقد شدا طرفاً من الأدب، وكان الأستاذ أبو الحجاج الأعلم يومئذ زعيم البلد، وأستاذ ولد المعتمد فعول عليه من رحلته، وانقطع إليه بتفصيله وجملته، وكانت له في أثناء ذلك همة تترامى به إلى العلا، ترامي السيل من أعالي الربى، وكان بين الأستاذين أبي الحجاج وأبي مروان بن سراج ما يكون بين فحلين في هجمة، وزعمين [92ب] من أمة، فاتفق أن كتب ابن سراجٍ إلى المعتمد بشعرٍ بائي من شطر الوافر يمدحه فيه، وكأنه - زعموا - عرض بقرنه ومباريه، وأعلم بذلك الأعلم، فصمت عن جوابه وأحجم، وولاها عبد الجليل فأطلعه في أفقها قمراً، ونبه منه لحربها عمراً، فقال قصيدته البائية التي أولها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015