وهل يملك المرء من أمره ... قبيلاً فينفذه أم دبيرا
هو القدر الحتم يعمي الفتى ... وإن كان بالدهر طباً بصيرا واتفق أيضاً وقت القبض عليه يومئذ دخول المعتمد حصن بياسة، وتطارح أهلها عليه، وحصول تلك الجهة في يديه، ورأيت رقعة صدرت عنه في ذلك إلى أحد بينه، وذكر الخائن ابن عمار في فصل منها قال فيه:
كتابي يوم كذا، وفي أمسه ورد كتاب المأمون أخيك من داخل حصن بياسة، وأن أهلها لما بلغهم تأهبي لمحاصرتهم، واحتفالي لمنازلتهم، وعلموا أن تدبيرهم قد اضمحل في أيديهم، وأن صريخهم قد خرس عن إجابة داعيهم، وتيقنوا أني إذا نويت مضيت، وإذا لججت حججت، خامرهم الفزع، وضاق بهم المتسع، ومشى بعضهم إلى بعض يتشاورون كيف المصنع، وأين المنزع، فلم يروا لأنفسهم طريقاً أنجى، ولا مهرباً أجدى [80ب] بالخلاص وأحجى، من الترامي علي، والاستسلام إليّ، فبادروا نحوي رجالاً وركباناً، وتسربوا قبلي زرافات ووحداناً، ولم أرد حضرة قرطبة إلا وقد لحق بها منهم أفواج، وسالت بمن وراءهم أباطح وفجاج، كل يستعطف ويستنزل، ويسأل لمن وراءه عفواً يعم ويشمل، فأقبلت وقبلت، وعذرت واغتفرت، وبالغت في تأنيسهم، وتطبيب نفوسهم، والحمد لله على ما من وتطول، وأنعم وأفضل.
ووافى هذا الصنع الجميل، والفتح الجليل، آخر تقدمه خطا