لأوجعتك أدباً، ولو ملأت تلك أمس برا، لملأت لك اليوم هذه تبراً. فسبحان من لا منازع له في خلقه، ولا اعتراض عليه في قسمة رزقه، له النعمة السابغة، والحجة البالغة.
ثم لحظ ابن عمار الإقبال، وحالت به الحال، وقلد الأعمال السلطانية فأتهم فيها وأنجد، وقام بأعبائها وقعد، ثم لحق آخر عمره، وبين يدي إدبار أمره، بثغر سرقسطة بعد خروجه من مرسية - في خبر سيأتي ذكره - ولم يزل بذلك الثغر يتردد، وفساد حاله عند المعتمد يتزيد، إلى أن كان من خبره ما كان، حسبما يأتي الشرح والتبيان.
وأول تعلقه بالمعتمد كان حين وجهه لحرب شلب أبو المعتضد فنزع ابن عمار إليه، وبلغ من المنزلة لديه، أن غلب عليه؛ وبعد انتباذه شلب، وفراغه من تلك الحرب، صحبه بحضرة إشبيلية، وأحضره معه مجالس أنسه، إلى أن أوجس خيفةً في نفسه من أبيه المعتضد، ففر عن البلد، ولحق بشرق الأندلس، وتمكن بها من المؤتمن يوسف بن أحمد بن هود، فخاطب المعتمد بهذا القصيد الفريد، وقد أثبت أكثره لاشتماله على البدائع، فإنه من كلامه الرائق الرائع، وأوله: