وسعد بما كان ابن عمار شقي به من الأدب، فاعتمده بأبيات عملها على سبيلٍ قد تنكرت له وتنكر لها، وبنفسٍ لولا نفاستها لقتلها، واتفق أن قصده بها يومئذ حين جنحت ذكاء، وصبغت الغيطان لونها السماء، ولم يبق من النهار إلا تعلة عليل، وبلغة ابن سبيل، أضيق من عذر الجبان في الفرار، وأقصر مما بين اللحية والعذار، فلما أنشده قطعة شعلاره، وهتك له الحجاب ساعتئذٍ عن وجه عذره، أسر إلى غلامه بكلامٍ قصير، فغاب عنه غير كبير، ثم خرج عليه وفي يده مخلاة شعير،وقال له: خذ ما حضر، وأنت أحق من عذر. فجاشت نفس ابن عمارٍ جيشةً أذهلته عن اسمه، وكادت تسيل عرقاً على جسمه، وهم بصرف نائله النزر إليه، ففكر في مهيرٍ كان يركب عليه، فاحتمل الغضاضة في قبول ذلك النيل، راجعاً بالملامة على هجوم الليل، محتجاً بكل بيتٍ كان حفظه في إيثار الخيل، وقام يخد الأرض برجليه، ويدمي بالعض يديه. فلما صار ابن عمار إلى الحال التي وسوست للعصفور بصيد العقاب، وسولت للكبير ارتجاع الشباب، هجم على منزل ذلك الرجل، وقد صارت إليه أعناق الدول، وغصت الأرض حواليه بالخيل والخول، فقام يفديه بماله، ويحسبه يومئذ خطرةً بباله، أو خلوةً بطيف خياله، فذكره ذلك الزمان، وقرره على ما كان، والرجل يتلاشى بين الوجل والحياء، ويتمنى لو ابتغى نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء، ولم يرمه أبو بكر، حتى أخرج إليه قطعة الشعر، فبرئ إليه ابن عمار من تلك الدنية، وأعطاه مخلاةً مملوءة بدراهم قاسمية، وقال له: لولا حرمتك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015