شعره غرب وشرق، وأشأم في نغم الحداة وعلى ألسنة الرواة وأعرق؛ لا جرم فإنه كان شاعراً لا يجارى، وساحراً لا يبارى، إذا مدح استنزل العصم، وإن هجا أسمع الصم، وإن تغزل، ولا سيما في المعذرين من الغلمان، أسمع سحراً لا يعرفه البيان، وكيف لا يرغب في شعره، ويتنافس فيما ينفث به من سحره، وهو يضرب في انواع الإبداع بأعلى السهام، ويأخذ من التوليد والاختراع بأوفر الأقسام، وقد أثبت منه في هذا الديوان، ما يشتمل على غرائب الحسن والإحسان، وأدرجت في أثناء مقطوعات أشعاره، نكثاً ولمعاً من نوادر أخباره، وذكرت آخر أمره مع المعتمد ومباشرة قتله [71أ] له بيده، وأجريت شرح صفة الحال، من المبدأ إلى المآل.
وكان قد نشأ والشعر بأفقنا أنفق ما عهدت سوقه، وأعمر ما كانت إلى الجاه والمال طريقه، فاتخذه مدةً صناعته، ثم خلع بعد طاعته، رغبةً عن نحلةٍ سؤددها سؤال، وأجودها كذب ومحال، وكان أبو بكر من نقائذ البوس، ونوافض الجد اليبيس، أحد من امترى أخلاف الحرمان، وقاسى شدائد الزمان، وبات بين الدكة والدكان، واستحلس دهليز فلان وأبي فلان، جرت على رأسه من ذلك أحوال، دلت على أن الدنيا إدبار وإقبال، وأن عيش المرء فيها تهاويل وأهوال.
بلغني عنه أنه لزته إحدى لياليه النكرات، في أيامه المنكرات، إلى انتجاع بعض أعيان شلب، أحد من طرفت عنه أعين النوب