وعرقته بعصل أنيابها، وأشرقته بمر شرابها، وأودعته من صنوف التصاريف، آلاماً وأوصاباً، وجرعته من فراق الأحبة صبراً وصاباً؛ فمن فهم معاني صروفها فهمك، وعجم عود خطوبها عجمك، لم يتضعضع منه لصدمتها جلد، ولا تروع له عند ظلمتها خلد، ولا شقت لصبره في مآتها جيوب، ولا طار بقلبه في ملامحها وجيب، بل وجدته مشيع الجنان، ثابت الأركان، متهلل الجبين، مشرق اليقين، متسع الجوانب، لزحام النوائب، مستقل الكاهل، بأعباء النوازل.
فلئن نفذ القدر بوفاة من كنت تأنس بحياتها، وتتيمن على القرب والبعد بيمن صلاتها وصلاتها، وتضاعف الوجد بما افترق من فرقة المنون، وحرقة [62ب] النوى الشطون، وانتظم من شحط المزار، ونفوذ حتم المقدار، ففي تجلدك لتحامل الخطبين محتمل، ولتصبرك في سوم الخطتين تصرف وعمل، وبجسيم عظيم المصاب، وكرم الاحتساب، يكون حسن الثواب، ويمن المآب، فللرزايا قيم وأثمان، وللحسنات في موازنتها خفوف ورجحان، فلا تمكن من يد الجزع مقادك، ولا تسكن زفرة الأسف فؤادك، واعتصم عند الصدمة الأولى بعروة الصبر