وللأمل في تراخي مدته مجال، فاغتبط النفوس أفجع، وبغت المقادير أوجع وأشنع، وهي الآجال: فمعمر إلى أقصاها، ومختضر دون مداها، ولا يزال المؤجل تتحيف نواحيه، وتختطف أدانيه، ويفجع بأحبائه، ويروع بأترابه، حتى يكون هو الغرض المصاب، والمحل المنتاب، والسواد المخترم، والخيال المستقدم. فمن تصور الدنيا تصورك، وأوسعها تدبرك، لم يرعه هاجم كرب وإن كلح وجلح، ولا هزه واقع خطب وإن طمح وجمح، ولعلمي بمضاء جنانك، على مصادرة زمانك، واتساع صدرك، لمضايقة دهرك، سلكت في التعزية مسلك التخفيف، واقتصرت من معاني التسلية على اليسير اللطيف، ولو شهدت لحملت عنك بعض الأتراح، وشاركت في زيارة الغدو والرواح، والله يعوضك العزاء الجميل، ويضفي على ساقته - جبرها الله - ظلك الظليل، ويديم إمتاعك بمن بقي معك من أخٍ كريم، وقريبٍ حميم، بعزته.
وله من أخرى في مثله: محن الدنيا - وسع الله لاحتمالها ذرعك، وأنس في إيحاشها ربعك - ضروب، ولسان العبر بها خطيب، ونوائبها أطوار وفنون، ومصائبها أبكار وعون، والمرء غرض لأخياف سهامها، ومعرض لاختلاف أحكامها، فإن أخطأه منها صائب الحمام، وتخطاه واثب الاخترام، رشقته بنبل أرزائها، وطرقته بمضل أدائها