وما جمع، وينجو مما حذر عليه وتوقع، فأزمع على الانحراف والانزواء، واستجمع للخلاف والانتزاء، وداخل فلاناً يعرض عليه مما ذهب إليه، ليؤيده على قبوله بما في يديه، فنأى عنه بجانب النزيه الكريم، وأعرض إعراض الحر الصميم، فانصرف إلى المذكور وهو لمناها مستمطر متوكف، وإلى مثلها مستوقف مستشرف، فما دعاه حتى لباه، ولا أومي إليه حتى تهافت عليه، لا يتهيب حالاً، ولا يتوقع مآلاً، وبلغني الخبر وكفى به مزعجاً، ولا كمثله مبرماً محرجاً، فصبرت حتى أعذرت، وتأنيت حتى أبليت، ثم اعتزمت على الانتصار، وتقدمت لطلب، الثار، مستخيراً وعد الله لمن بغي عليه، مقتضياً حكمه العدل فيمن تسبب إليه، فتقدمت في معسكر ألفته يد الإعجال، [56أ] وحالت البديهة بينه وبين الاحتفال، فأنخت به على بلده أياماً، قطعت فيها دونه كل الرفاق، ولم أبق حوله سقفاً على جدار ولا قائمةً على ساق، ثم مررت إلى جهة فلانة أجوس خلالها، وأتقرى بالنهب والإحراق أعمالها، وأتسنم معاقلها، وأجعل أعاليها أسافلها، إلى أن وقفت بجانبها منازلاً، وزحفت إلى بابها مقاتلاً، وصاحبها يرى الخوي ملء عينيه، ويقلب على خسارة صفقته كفيه، ولا يعاين إلا ناراً تضطرم عليها، وتصطلم حواليها، فلو أصغينا لسمعنا قعقعة أضراسه، واستشعرنا لوجدنا حر أنفاسه؛ وكل كمي عنده - وكانوا عدداً لفيفاً، وجمعاً كثيفاً - فد نسخ جباناً، ومسخ هداناً، لا يكاد يقبل حتى يدبر، ولا يبرز حتى ينجحر: