ولم يكن لهم أولاً علم بما سدوه وألحموا، ولا ضوا آخراً بما جنوه وارتكبوا فتحركت من وقتي، ولم أكد أطل على أفقهم إلا والإشارة علينا، بأثوابهم إلينا: أن أقدموا وصمموا، فاقتحمت من النهر مخاضةً توازي الربض الشرقي منها، وثار أهلها معي، داعين بشعاري، معلنين بانتصاري، وكلمة ثاري، يكسرون بين يدي كل غلق يعترضني، ويفتحون كل مرتج يتنصب دوني، وأحس ابن عكاشة ومن معه من الشيعة المفلوجة بمكاني ففروا بأرواحهم، وألقوا ما كان معهم من سلاحهم. وقد كنت أحطت بنواحي الحضرة خيلاً ترصدهم، وتقطع من النجاة سببهم، فوقعوا فيها وأتى على آخرهم، وسبق إليّ رأس ابن عكاشة؛ وكان الحبيب إليّ، أن يمثل بين يدي، فأبسط له من العذاب ما كان أشفى لنفسي، وأثلج لصدري.
وفي هذا الفتح أنشده حسان بن المصيصي قصيدته التي يقول فيها، ووصف إشارة الناس يومئذ من سور المدينة:
وليسوا بغرقي قد أشاروا لساحلٍ ... ولكنهم غرقى أشاروا إلى بحر وله عنه من أخرى إثر فتح مرسية على يدي ابن عمار، وإخراج بني طاهرٍ منها: لم يغب عنك من مجرى الحال بمرسية وجه أجلوه، ولا انطوى من فحواه أمر أنشره وأبديه، وها أنا أعرض عليك من باطنها ما ربما خفي، وأنهي إليك من نجواه ما لعله لم ينم على وجهه ولا أنهي