فكأن بعض الحاضرين أنكر عليه وجعل يطري ابن عكاشة، ويذكر حسن بلائه، وينبه على مكانه من الدولة وغنائه، فلما أكثر قال له ابن ذي النون: دع عنك، من أجترأ على الملوك لم يصلح للملوك.
ثم لم يلبث ابن ذي النون إلا شهراً لم تتعب كف العاقد، ولا أطالت غم الحاسد، حتى أتي من مأمنه، أغبط ما كان بسيئه وحسنه، وسقاه السم الوحي - زعموا - بعض ثقاته، فاستقل بجسده تابوته، وطار به إلى طليطلة جنه وعفاريته، وخلا وجه قرطبة بعد ذلك للمعتمد وعاد إليه ملكها، وانتظم في يديه سلكها، وأخذ بثار ابنه عبادٍ بقتله لابن عكاشة فلم يكن كما قال دريد بن الصمة:
قتلنا بعبد الله خير لداته ... ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب ومما كتب عن المعتمد بعود قرطبة إليه، وقتل ابن عكاشة على يديه رقعة منها: وأنفذته عندما عادت الحضرة إلى يدي، وانتظمت ببلدي، على صورةٍ من التيسير ضاعفت [54ب] حسن مواقع العارفة بها، وبشرت بلواحق النصر المترادف بعقبها، وذلك أن أهلها الصادقة في محبتنا أهواؤهم، المتفقة على طاعتنا آراؤهم، لم يزالوا على مثل الجمر تقلباً مما جرى قبل على غير اختيارهم، وتوجعاً لما كان انقضى علينا في جوارهم، نابين عمن ولي أمرهم بعدنا، مستقصرين لشانه عندنا، إلا النفر اليسير، والتافه الحقير، من سفهائهم الذين سببوا تلك الوهلة، وظاهروا على تلك الغفلة