لها الأنوف، واستعذبت معها الحتوف، وحميت منها النفوس الأبية، والعدو في كل ذلك ثلج الفؤاد، رابط الجأش، لا يرقب سنان دافع، ولا يبدو له وضح سيف مدافع، لأن أكثر ملوك هذا الإقليم، كانوا يداخلون طوائف الروم، ويكتري كل واحد منهم عسكراً بجملة من المال، يخرجه إلى بلد كاشحه، ويسلطه على معانده ممن يجاوره من البلاد، حسداً له وطمعاً في بلده أن يصير طوع يده، فكانت نيران الفتنة بينهم مشتعلة، والرعية مهملةً، لأن جملة غلاتهم، وجميع اعتمالاتهم، كانت تتلف بأيدي تلك الطواغيت، الخارجة إليهم في أكثر المواقيت؛ وما كان يفلت من الخراب يغرمونهفي المغارم، وما يجشمونه من المجاشم، فقطعوا أيامهم بقرع الظنابيب، وشرع الأنابيب، نكايات قعدة، لا نكايات مردةٍ، إذ كان كل واحد منهم يختفي عن قرنه بقصره، ويطيل الهز لسيف غيره، ويسله على جاره، حتىغدا ذلك السيف مسلولاً عليه، كما قال أبو تمام:
عبأ الكمين له فظل لحينه ... وكمينه الملقى عليه كمين لأن النصارى لما اطلعوا على عوراتهم، زحفوا بطوائفهم إليهم، ولما لم يبق إلا نفس خافت ورمق زاهق، ورأى المسلمون أنهم بالجزيرة على طرف، وفي سبيل تمام وتلف، استصرخوا أمير المسلمين وناصر