ونشأ أبو العلاء زهر بن عبد الملك فاخترع فضلاً لم يكن في الحساب، وشرع نبلاً قصرت عنه نتائج الألباب، وكنا نتوقع الحمام حتى سطا، وننتجع الغمام إلى أن أعطى، لو ساجل البحر لفضحه، أو وازن الدهر لرجحه، نشأ بشرق الأندلس والآفاق تتهادى عجائبه، والشام والعراق تتدارس بدائعه وغرائبه، ومال إلى علم الأبدان، فلولا جلالة قدره، لقلنا جاذب هاروت طرفاً من سحره، ولولا أن الغلو آفة المديح، لتجاوزت طلق الجموح، ولكن اكتفيت بالكناية عن التصريح، وصلوات الله على المسيح. [45ب] ولم يزل مقيماً بشرق الأندلس إلى أن كان من غزوة أمير المسلمين وناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين، في من انضم إليه من ملوك الطوائ إلى حصن لييط ما كان، فشخص الوزير أبو العلاء معهم، فلقيه المعتمد واستماله واستهواه، وكاد يغلب على سره ونجواه، وصرف عليه بعض أملاكه، فحن إلى وطنه، حنين النجيب إلى عطنه، والكريم إلى سننه، ونزع إلى مقر سلفه، نزوع الكوكب إلى بيت شرفه، إلا أنه لم يستقر بإشبيلية إلا بعد خلع المعتمد، ودعا به أمير المسلمين، رحمه الله، فلباه، وحل من نفسه محلاً لم يحله الماء من الظمآن، ولا الروح من جسد الجبان، وقد أخرجت من ملح أشعاره ما يعطل شذا الزهر، ويخجل سنا الأنجم الزهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015