هذا التأليف، وقضى به التصنيف، لحل ذكره من هذا الديوان محل زحل من الفلك، والتاج من مفرق الملك.
وقد قدمت في أخبار القاضي ابن عباد من إظلام أفقه - كان - على الأشكال، واجتماع فرقه من الأغفال، بما أغنى عن إعادة المقال. وكان الفقيه جده محمد بن مروان بن زهر، منشأ تلك الدولة العبادية أول من تثنى عليه الخناصر، وتشير إليه القلوب والنواظر، وتفتقر إلى ما لديه الألباب والبصائر، فضاقت دولته عن مكانه، ضيق صدر العاشق عن كتم أشجانه، واسترابت لجلالة شانه، استرابة المنافق بتلجلج لسانه؛ وأهمه أمره حتى أخرجه عن بلده، واستصفى ذات يده، فلحق بشرق الأندلس، وأقام بها بقية عمره، بين جاهه ووفره، وفي حصنٍ حصينٍ من سلامة سره وجهره.
ونشأ ابنه الوزير أبو مروان عبد الملك بن محمد فما بلغ أشده، حتى سد مسده، بل ما خلع تمائمه، حتى استوفى مناقبه ومكارمه، وورث مباديه وخواتمه، ومال إلى التفنن في أنواع التعاليم من الطب وغيره من العلوم، فجمع شعاعها، واستوفى أجناسها وأنواعها، وجذب بضبعها، وفرق بين غربها ونبعها، ورحل إلى المشرق لأداء حج الفريضة فملأ البلاد جلالةً، ورجح الأطواد أصالةً، ولم يلق أحداً من زعماء تلك الأقطار إلا عول على ما عنده، وتجاوز في الأخذ عنه عفوه وجهده.