ظنه، وأطالت فكره، واشغلت سره، ولا سيما على بعيد الدار، نائي المحل، مشتاق إلى الإخوان، متأسفٍ على فقد الخلصان، مستشعر حرماناً لزم، وزماناً جار وظلم. وأما الهنات التي أطلقت عنان العتب عنها في ميدانٍ فسيح، وجريت في إيرادها جري الشفيق النصيح، فليست بهنات مخلقة لعرضٍ، ولا قاطعة عن فرضٍ، وربما غيرت عندك صفتي فتنكرت عليك، ومثلك من حكم الخبر على الخبر، وقنع بالعين دون الأثر.

وله من أخرى عن ابن هود إلى ابن ذي النون [40أ] يشكره باطلاق ابن غصن من السجن: كتابي - أيدك الله - كتاب أعريته من ذكر الوداد، وعدلت فيه عن وصف الاعتقاد، خرقاً لعادة المتوددين، وصفحاً عن طريق المتصنعين، على أني - علم الله - في الصدر المقدم ممن يواليك، والرعيل الأول ممت يتشيع فيك، وأفردته بشكر يدك البيضاء، وحميد صنيعتك الغراء، التي طوقت بها جيد الأدب، طوقاً يبقى على الحقب، ووضعت على نار الذكاء، وقوداً يسطع بطيب الثناء، مزاحماً بفضل همتك كلكل الزمان، وقد أناخ على الفهم بجران، ومحافظاً على حرمة الكرم وقد أعرض عن ثقلها الثقلان، أنفةً من أن يضيع حذاء نظرك حق أديبٍ، وتقطع بمرأى عينك نفس لبيب، وأنت عين الآداب، وعمدة ذوي الألباب، فيعود عليك من أهلها ملام، ويقول قائلها ضاع عند أوفى البرية ذمام، فلله همتك التي أبت إلا الحفاظ السليم، وشيمتك التي لم ترض إلا لمقام الكريم، ويدك التي أنتعشت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015