والنارَ أيضاً برحمته، فإنها سوطه الذى يسوق به به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها أدران المودين من أهل معصيته، وسبحنه الذى يسجن فيه أعداءه عن خليقته (فتأمّل) ما فى أمره ونهيه ووصايا هـ ومواعظه من الرمة البالغة والنعمة السابغة (فالرحمة) هى السبب المتصل منه بعبادة كما أنّ العبودي هى السبب منهم المتصل به. فمنهم إليه العبودية، ومنه إلهيم الرحمة (فإذا) قال " مالك يوم الدين " فهنا يشهد المجد الذى لا يليق بسوى الملك الحق المبين.
فيشهد ملكا قاهراً قد دانت له الخليفة، وعنت له الوجوه، وذلت لعظمته الجبابرة، وخضع لعزته كل عزيز، فيشهد بقلبه حقائق الأسماء والصفات التى تعطيلها تعطيل لملكه وجحد له. فإن المَلِك الحق التام المُلِك لا يكون إلا حياًّ قيّوما سميعا بصيراً مدبراً قادراً متكلما آمراً ناهيا، يرسل رسله إلى أقاصى مملكته بأوامره، فيرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدينه، ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويُقْضيه. فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء، ويعطى م يشاء ويقرّب من يشاء، ويقصى من يشاء. له دار عذاب وهى النار. وله دار سعادة وهى الجنة (فمن) أبطل شيئاً من ذلك أو جحده وأنكر حقيقته، فقد قدح فى ملكه سبحانه وتعالى ونفى عنه كماله وتمامه (وكذلك) من أنكر عموم قضائه وقدَره فقد أنكر عموم ملكه وكماله. فيشهد المصلى مجد الرب تعالى فى قوله " مالك يوم الدين " (فإذا) قال " إياك نعبد وإياك نستعين " ففيهما سرّ الخلق والأمر والدنيا والآخرة. وهى متضمنة لأجلّ الغايات وأفضل الوسائل. فأجلّ الغايات عبوديته. وأفضل الوسائل إعانته. فلا معبود يستحق العبادة إلا هو، ولا معين على عبادته غير. فهو يعبد بألوهيته ويستعان بربوبيته، ويهدى إلى الصراط المستقيم برحمته (ثم) يشهد الداعى - بقوله " اهدنا الصراط المستقيم " - شدّة فاقته وضرورته إلى هذه المسألة التى ليس هو إلى شئ