(فوائد):
... (الأولى) اعلم أن الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار. ولكل دار أحكام تختص بها:
(أ) فدار الدنيا جعل الله أحكامها على الأبدان، وجعل الأرواح تبعا لها، ولذا جعل الله الأحكام الشرعية مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح وإن أضمرت النفوس خلافها.
(ب) وجعل الله أحكام البرزخ على الأرواح وجعل الأبدان تبعا لها، فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا- فتألمت بألمها وألتذت براحتها وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب- تبعت الأبدان الأرواح في القبور في نعيمها وعذابها. والأرواح حينئذ هي التي تباشر العذاب والنعيم. فالأبدان هنا ظاهرة والأرواح خفية، والأبدان كالقبور لها، والأرواح هناك ظاهرة والأبدان خفية في قبورها. تجري أحكام البرزخ على الأرواح فتسري إلى أبدانها نعيما أو عذابا كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان فتسري إلى الأرواح.
(جـ) وجعل الله أحكام الدار الآخرة على الأرواح والأبدان معا، فأحط بهذا الوضع علما يزل عنك كل إشكال. وقد أرانا الله تعالى من ذلك نموذجا في الدنيا من حال النائم، فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجري على روحه أصلا والبدن تبع له. وقد يتعدى أثره إلى البدن تأثيرا مشاهدا فيرى النائم أنه عذب أو نعم فيصبح وأثر ذلك في جسمه ونحو ذلك (?).
(قال) سعيد بن سلمة: بينا امرأة عند عائشة إذ قالت: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أشرك بالله شيئا ولا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدى ولا آتي ببهتان بين يدي ورجلي ولا أعصى فلي معروف، فوفيت لربي فو الله لا يعذبني الله تعالى، فأتاه في المنام ملك فقال: كلا إنك تتبرجين