والأحاديث في هذا كثيرة، وهي تدل على ثبوت عذاب القبر للكفار مطلقا ولمن شاء الله من الموحدين، وأنه لا ينجو من ضغطته إلا الأنبياء لعصمتهم، وأن نعيمه للمؤمنين الصالحين.
... (وبهذا) قال أهل السنة والجماعة، لأنه أمر دل عليه الكتاب والسنة، ولا يمتنع عقلا أن يعيد الله الحياة في الجسد كله أو بعضه ويعذبه أو ينعمه. وإذا ورد به الشرع ولم يمنعه العقل وجب قبوله واعتقاده. ولم يخالف في ثبوت عذاب القبر إلا الخوارج وأكثر المعتزلة. والمعذب عند أهل السنة الجسد كله أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه.
وخالف فيه طائفة فقالوا: لا يشترط إعادة الروح، وهذا فاسد، لأن الألم والإحساس إنما يكون في الحي، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه أو أكلته السباع أو حيتان البحر أو نحو ذلك. فكما أن الله تعالى قادر على أن يعيده للحشر، فهو قادر على أن يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء وإن أكلته السباع والحيتان (?).
... (قال) ابن القيم: أما عذاب القبر فحق أعاذنا الله منه، ولا خلاف بين أهل السنة فيه لثبوته بالأخبار الصحيحة الصريحة الكثيرة المتواترة تواترا معنويا. (قال) أبو عبد الله أحمد بن حنبل: عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل. وقال حنبل: قلت لأبي عبد الله في عذاب القبر، فقال: هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها. كلها جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد، قال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه".
... قلت له: وعذاب القبر حق؟ قال: حق يعذبون في القبور، وقال: نؤمن بعذاب القبر وبمنكر ونكير، وأن العبد يسأل في قبره، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أي في القبر (?).