كما مال غيره من المعمرين. بل ما زال عاكفا على العمل، فى داره بين مسجده الزاهر، ومكتبته العامرة، ومؤلفاته القيمة، وجمعيته الشرعية الميمونة، وتلامذته العديدين الوافدين إليه يغترفون من منهله العذاب، ويحيطون به إحاطة الهالة بالقمر فى مجلسه الخاص بعد عصر كل يوم، ويعلوهم جميعا حياء وأدب جم من هيبة الشيخ وجلاله. وما يمنعهم حياؤهم السؤال عن مهمة دينية أو دنيوية. ومن جلس منهم لا يفك حبوته إلا مؤذن المغرب، يدعوه إلى الوقوف بين يدى الحى القيوم! !

المؤلف يودع الحياة

وما طالت حياة الشيخ بعد وداعه الأزهر، إنها لمدة قصيرة: سنتان إلا نحو شهرين. فى نهايتها يزوره الموت الزوام. وما اشتكى ألما، وما انقطع عن عمله الموصول، ولا عن مجلسه الخاص إلا بعد عصر الخميس الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف (13 من ربيع الأول سنة 135 هـ)

وفى صبيحة يوم الجمعة الرابع عشر منه، أطل على بعض تلامذته من نافذة حجرته، فناوله آخر ملزمة من الجزء السادس من شرحه لسنن الإمام أبى داود (المنهل العذب المورود) كان يصححها لترسل إلى مطبعة الاستقامة. ولما حان وقت صلاة الجمعة، أخذ القوم يلتفتون يمنه ويسرة، علهم يحظون بطلوع الشيخ عليهم متقدما إلى الصف الأول، يستمع إلى الخطيب، ويؤدى صلاة الجمعة ويعظهم بعدها كعادته. فما حظوا، وارتد البصر منهم وهو كليل! ! وما حسبوا أن فقدانهم الشيخ هذه الساعات، يكون فقدانا لا رجعة بعده، ولا لقاء إلا يوم اللقاء! !

ساعة الوداع:

وفى منتصف الساعة الثانية بعد الظهر (الجمعة 14 من ربيع الأول سنة 1352 هـ)، (7 من يوليه سنة 1933) لفظ الشيخ آخر نفس من أنفاسه الطاهرة، وجاد بروحه العظيمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015