والمم بقصر ابن بسطام فربّتما ... سعدت فيه بأيامي وليلاتي
واقرأ على دير مر حنّا السلام فقد ... أبدى تذكّره مني صباباتي
وبركة الحبش اللاتي ببهجتها ... أدركت ما شئت من لهوي ولذّاتي
كأن أجبالها من حولها سحبٌ ... تقشّعت بعد قطرٍ عن سماوات
كأن أذناب ما قد كان صيد لنا ... من أبرميس وراي بالشبيكات
أسنّةٌ خضبت أطرافها بدم، ... أو دستج نزعوه من جراحات
منازلاً كنت أغشاها وأطرقها، ... وكنّ قدماً مواخيري وحاناتي
وقال أيضاً:
أأيامي بشاطي البركتين ... سقاك الله نوء المرزمين
لقد أذكرتني طربي ولهوي ... ووكّلت الفؤاد بلوعتين
ترى أيامنا فيك المواضي ... يعود وصالها من بعد بين
سقى الله البقاع ملثّ قطرٍ ... وأعطش منزلاً بالجلهتين
وطلّ الطيلسان بصوب طلٍ ... إلى النخلات فالجمّيزتين
ودار على المدار وهام مزنٍ ... تسير إلى جنان السروتين
وخصّ الربوتين فكم غزالٍ ... ربيب بين تلك الربوتين
منازل قد شهدنا اللهو فيها ... بأكرم معهدين ومألفين
فكم من بيعة عقدت لقصفٍ ... وعزف في رياض البقعتين
وكم من مدنفٍ قد حاز وصلاً ... ونال مناه وسط المنيتين
وللعباس بن البصري، من قصيدة:
يا حامل الكأس أدرها واسقني ... قد ذعر الشوق فؤادي فانذعر
أما ترى البركة ما أحسنها ... إذا تداعى الطير فيها فصفر
أما ترى نوّارها أما ترى ... حسن مسيل مائها إذا انحدر
كأنما صفر الدنانير بها ... مبذولةٌ ليس بها من متّجر
كأنما الجوهر في ألوانه ... نثّر في تلك النواحي فانتثر
كأنما كفّ جوادٍ ولعت ... في ذلك الروض بتبديد البدر
وأبيض النرجس في أجفانه ... دمع الندى لولا التشاجي لقطر
ونظرة الورد إلى أترابه ... نظرة معشوقٍ بلحظ منكسر
دعني فما أهلك إلا بالجوى ... ما عيشة العاشق إلا في كدر
ولصالح بن موسى مولى تميم، يذكر البركة:
وحسبك البركة مرأىً لا يمل
تبذل وشياً لم يكن بمبتذل
متصل الأطراف غير منفصل
من شاطىء النيل إلى سفح الجبل
أكرم بتلك منزلاً لمن نزل
قد نشطت أطياره بعد الكسل
وسجعت ورجعت على مهل
بين الثقيل والخفيف والرمل
كأنهن في مراءٍ وجدل
ينحن لا للحزن لكن للجذل
يذكرننا أيامنا الغرّ الأول
وقال أيضا، يذكر الدير والبركة:
إني لمثلك ناصحٌ ... فاجنح إلي ولا تغر
بكّر إلى دير المعا ... فر، آن أوقات البكر
أو ما ترى حسن الريا ... ض وما اكتسين من الزهر
وجه الربيع، وحبّذا ... وجه الربيع إذا ظهر
الوشي ينشر، والملا ... حف والمطارف، والحبر
هذا البنفسج في الحدا ... د بغير حزنٍ قد ظهر
وأتى البهار بصفرةٍ ... فلكلّ حسن قد بهر
وكأن آذريونه ... كاسات خمرٍ تبتدر
وكأنما المنثور عق ... دٌ في جوانبه انتشر
والأقحوان فضاحكٌ ... عن عسجدٍ فيه درر
وشقائق النّعمان كال ... أعلام ثمّ لمن نظر
وتورّد الورد الذكيّ ... وفاح مسكاً في السحر
وتجاوبت طير الغصو ... ن بكلّ لحنٍ مشتهر
فمغرّدٌ حسن الغنا ... ء شدا وآخر قد زمر
وتسرّقت أنفاسنا ... بنسيم أنفاس السحر