منزلاً لست محصياً ما لقلبي ... ولنفسي فيه من الأوطار
منزلاً من علوّه كسماء ... والمصابيح حوله كالدراري
وكأن الرهبان في الشعر الأسود ... سود الغربان في الأوكار
غربه ذو البحار والأنهار ... في ثيابٍ من سندسٍ ذي اخضرار
غردت بيننا الطيور فطارت ... بفؤاد المتيّم المستطار
كم خلعت العذار فيه ولم أر ... ع مشيباً بمفرقي وعذاري
كم شربنا على التصاوير فيه ... بصغارٍ محثوثةٍ وكبار
صورةٌ من مصورٍ فيه ظلّت ... فتنةً للقلوب والأبصار
أطربتنا بغير شدوٍ فأغنت ... عن سماع العيدان والمزمار
يفتر الجسم حين ترميه حسناً ... بفنونٍ من طرفها السحّار
وإشاراتها إلى من رآها ... بخضوع وذلةٍ وانكسار
لا وحسن العينين والشفة اللمي ... اء منها وخدها الجلّناري
لا تخلّفت عن مزاري لدير ... هي فيه ولو نأى بي مزاري
فاقصرا عن ملامي اليوم إني ... غير ذي سلوةٍ ولا اقصار
فسقى الله أرض حلوان فالنخ ... ل فدير القصير صوب القطار
كم تنبّهت من لذاذة نومي ... بنعير الرهبان في الأسحار
والنواقيس صائحاتٌ تنادي ... حيّ يا نائماً على الابتكار
قبل أن يبلي الجديد الجديدا ... ن بليل معاقب لنهار
إنما هذه الحياة عوارٍ ... وعلى المستعير ردّ المعار
ولابن الزنبقي المصري، في دير القصير، من شعر طويل:
يا حسرةً في القلب ما أقتلها ... كأنها في القلب أطراف الأسل
كم كم وكم من ليلةٍ أحييتها ... يا صاحبي بالدير في خير محل
دير القصير الفرد في صفاته ... يا من رأى الجنّة في رأس جبل
أشربها راحاً شمولاً قرقفاً ... تدبّ في الجسم صباحي والأصل
يديرها ذو غنج بظرفه ... يحيي من شاء، ومن شاء قتل
كأنه غصنٌ من البان وقد ... زاد عليه بالقوام المعتدل
ألثغ، حتف النفس في لثغته ... تاه بها على الورى تيه مدل
إن قال نارٌ قال ناغٌ أو يقل ... نورٌ يقل نوغٌ بدلّ وغزل
وضرب الناقوس فيه راهبٌ ... ضرباً على ريثٍ وضرباً بعجل
فاحثث كؤوس الراح يا ساقينا ... واغتنم الدهر فللدهر دول
من قبل أن يطرقنا بينٌ فلا ... ينفع عند البين ليتٌ ولعل
وهذا الدير، على شاطىء بركة الحبش، قريب من البحر، وإلى جانبه بساتين أنشأ بعضها الأمير تميم أخو أمير المؤمنين العزيز بالله عليهما السلام. ومجلس على عمد حسن البناء مليح الصنعة مصور، أنشأه الأمير تميم أيضاً.
وبقرب هذا الدير، بئر تعرف ببئر نجاتي، عليها جميزة، تجتمع الناس إليها ويشربون عندها.
فهذا الموضع، من مواضع اللعب ومواطن اللهو والطرب، نزه في أيام النيل وزيادته وامتلاء البركة، حسن المنظر، نزه البقاع، وكذلك في أيام الزرع والنوار. ولا يكاد يخلو من المتطرحين والمتنزهين. وقد ذكرت الشعراء حسنه وطيبه.
ولابن عاصم، فيه:
يا طيب أيام سفحت مع الصبى ... طوع الهوى فيها بسفح المنظر
فالبركة الغناء فالدير الذي ... قد هاج فرط صبابتي وتفكّري
فاحثث كؤوسك يا غلام وأعفني ... فلقد سكرت وخمر طرفك مسكري
وأرى الثريّا في السماء كأنها ... تاجٌ تفصّل جانباه بجوهر
فاشرب على حسن الرياض وغنّني: ... أُنظر إلى الساقي الأغنّ الأحور
فلعلّ أيام الحياة قليلةٌ ... ولعلّني قدّرت ما لم يقدر
وقال أيضاً:
عرّج بجمّيزة العرجا مطيّاتي ... بسفح حلوان والمم بالتويتات