كم فرحةٍ كانت وكم ترحة ... تخرّصتها لي فيك الظنون
إذا قلوبٌ أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون
وله:
يُصعّد في الحشا نفسا ... ويسهر إن فتىً نعسا
يظلّ يعالج الزفرا ... ت إن أغفى وإن جلسا
غذا بالشوق مهجته ... وعلل نفسه بعسى
محبٌّ صيّر الشكوى إلى جلسائه أُنسا
وكان أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، يختم أماليه في مجالسه بمقطوع من شعر ابن أبي أمية، استحساناً له واستعذاباً لألفاظه، ويقرظه دائماً ويصفه.
وهذا الدير على نهر كرخايا ببغداد. وكرخايا نهر يشق من المحول الكبير ويمر على العباسية، ويشق الكرخ، ويصب في دجلة، وكان قديماً عامراً، والماء فيه جارياً، ثم انطم وانقطعت جريته بالبثوق التي انفتحت في الفرات.
وهو دير حسن، نزه، حوله بساتين وعمارة، ويقصد للتنزه والشرب، ولا يخلو من قاصد وطارق، وهو من البقاع الحسنة النزهة. وللحسين بن الضحاك، فيه:
حُثّ المدام فإن الكأس مترعة ... مما يهيج دواعي الشوق أحيانا
إني طربت لرهبانٍ مجاوبةٍ ... بالقدس بعد هدوّ الليل رهبانا
فاستنفرت شجناً مني ذكرت به ... كرخ العراق وإخواناً وأشجانا
فقلت، والدمع في عيني مطردٌ ... والشوق يقدح في الأحشاء نيرانا:
يا دير مديان، لا عرّيت من سكن ... ما هجت من سقم يا دير مديانا
هل عند قسّك من علم فيخبرني ... أن كيف يسعد وجه الصبر من بانا
سقياً ورعياً لكرخايا وساكنه ... بين الجنينة والروحاء من كانا
قال: كان أبو علي بن الرشيد، يلازم هذا الدير ويشرب فيه. وكان له قيان يحملهن إليه، ويقيم به الأيام، لا يفتر عزفاً وقصفاً، وكان شديد التهتك! وكان من يجاور الموضع يشكون ما يلقونه منه. فانتهى الخبر إلى إسحق بن إبراهيم الطاهري، وهو خليفة السلطان ببغداد. فوجه إليه يقبح له فعله، وينهاه عن المعاودة لمثله. فقال: وأي يد لاسحق علي؟ وأي أمر له فيّ؟ أتراه يمنعني من سماع جواري، والشرب بحيث أشتهي؟. فلما أتاه هذا القول منه أحفظه وتمهل، حتى إذا كان الليل، ركب إلى الموضع، وأحاط به من جميع جهاته، وأمر أن يفتح باب الدير، وينزل به على الحال التي هو عليها. فأنزل وهو سكران في ثياب مصبغة، وقد تضمخ بالخلوق، فقال له: سوءة لك! رجل من ولد الخلافة على مثل هذه الحال؟. ثم أر، ففرش بساط على باب الدير، وبطح عليه، وضربه عشرين درة، وقال: أن أمير المؤمنين لم يولني خلافته حتى أضيع الأمور وأهملها، ولا حتى أدعك وغيرك من أهل تعرونه وتفضحونه وتخرجون إلى ما خرجت إليه من التبذل والشهرة وهتك الحرمة وإخراجهن إلى الديارات والحانات. وفي تأديبك صيانة للخلافة، وردع لك ولغيرك عن هذه الفضيحة. ثم أمر بعماريات كانت معه، فأركب فيها مع حرمه، ورده إلى داره. فبلغ ذلك المعتصم، فكتب إليه يصوب رأيه وفعله، ويأمره أن لا يرخص لأحد من أهل بيته في مثله.