وهو دير حسن، بين جسر الكوفة وحمام أعين، ناحية عن الطريق على يمين الخارج من بغداد إلى الكوفة. وهو موضع نزه حسن، كثير الحانات والشراب، عامر بمن يطرقه، لا يخلو مما يطلب اللعب ويؤثر البطالة. وهو من المواطن المستصلحة لذلك.
قال: خرج يحيى بن زياد ومطيع بن إياس حاجين. فلما قربا من دير زرارة، قال أحدهما لصاحبه: هل لك أن نقدم أثقالنا ونمضي إلى زرارة، فنشرب في ديرها ليلتنا ونتزود من مردها وخمرها ما يكفينا إلى العودة، ثم نلحق بأثقالنا؟ ففعلا. وسار الناس، وأقاما. فلم يزل ذلك دأبهما إلى أن انصرف الحاج. فلما وصل إلى الكوفة. حقا رؤوسهما وركبا بعيرين ودخلا مع الحاج. فقال مطيع:
ألم ترني ويحيى إذ حججنا ... وكان الحجّ من خير التجاره
خرجنا طالبي حجّ ودينٍ ... فمال بنا الطريق إلى زراره
فآب الناس قد غنموا وحجّوا ... وأبنا موقرين من الخساره
ثم قال فيه أيضاً، وفيه لحن. وقيل أن الأبيات لأبي علي البصير:
خرجنا نبتغي مكة ... حجّاجاً وزوّارا
فلما قدم الحير ... ة حادي جملي حارا
وقد كاد يغور النج ... م للاصباح أو غارا
فقلت: احطط بها رحلي ... ولا تحفل بمن سارا
فجدّدنا عهوداً س ... لفت منّا وآثارا
وقضّينا لباناتٍ لنا ... كانت وأوطارا
وصاحبنا بها ديراً ... وقسيساً وخمّارا
وظبياً عاقداً بين ... النقا والخصر زنّارا
شرحنا لك أخباراً ... وادمجناك أخبارا
ولأبي نواس، في هذا المعنى:
وقائل: هل تريد الحج؟ قلت له: ... نعم، إذا فنيت لذات بغداذ
أما وقطربل منها بحيث نرى ... فقبة الفرك من أكناف كلواذي
فالصالحية، فالكرخ الذي اجتمعت ... شذّاذ بغداد لي فيه بشذاذ
وكيف بالحج لي ما دمت منغمساً ... في بيت قوّادةٍ أو بيت نبّاذ
وهبك من قصف بغداد تخلّصني ... كيف التخلص لي من طيزناباذ
وممن فعل فعل مطيع، سليمان بن محمد الأموي، وكان قد أعد البخاتي للحج وصنعها طول سنته. فلما وصل إلى الكوفة، بدا له وأقام وقال:
حرصي على الحج أفسد الحجا ... إذ لم أجد مهرباً ولا منجا
تبت إليه من الذنوب ومن ... عرضٍ برىءٍ بمنكر يهجا
فردّني خاسئاً إلى قدحي ... وقول شعر وعفوه يرجا
بحيث تضحي الزقاق خاضعةً ... تحسبها من سوادها زنجا
إذا وضعنا للزقّ باطيةً ... وحلّ عنه رباطه مجّا
زادي إلى الحج صار منتقلاً ... لما احتسيت المدامة الزلجا
ومضجعي زكرتي نعمت بها ... مملوءةً ما تفارق الخرجا
كذاك من يطلب الثواب ولا ... ينهض إلا بنيّةٍ عرجا
وخرج أبو المضرحي وسلام بن غالب بن شماس وأبو البصير الشاعر، يريدون الحج. فلما قدموا الكوفة، بدا لأبي البصير ولسلام، ثم مضى أبو المضرحي. فقال أبو البصير يخاطب سلاماً
خذ برأس القطا واستخر ... الله إلى دار قينة الرمّاح
حيث لا تنكر المعازف والخمر ... ووضع الأيدي على الأحراح
وكان مطيع بن إياس، من أظرف الناس وأحسنهم شعراً وأكثرهم نادرة وأشدهم مجوناً وخلاعة. وكان لا يغب الشرب واللعب والانهماك في الخسارة والتطرح في مواضع اللذات. وكان مطيع ويحيى بن زياد وحماد عجرد وحماد الراوية، لا يفترقون. وكان جميعهم على منهاج واحد في الخلاعة، وكلهم متهم بالزندقة! فذكر العتبى عن أبيه، قال: قدم علينا شيخ من أهل الكوفة، لم أر قط أحسن منه حديثاً. فكان يحدثني عن مطيع والحمادين وعن ظرفاء أهل الكوفة وعجائبهم، فلم يكن يحدث عن أحد منهم بأحسن مما يحدثني به عن مطي بن إياس. فقلت له: كنت والله أشتهي أن أرى مطيعاً. فقال: والله لو رأيته للقيت منه بلاء عظيماً! فقلت: وكيف؟ قال: كنت ترى رجلاً لا يصبر عنه العاقل إذا رآه، ولا يصحبه أحد إلا افتضح به!