وذكر ابن حبيب، قال: رأيت رجلاً من أهل الكوفة، فسألته عن مطيع، وكان قد صحبه، فقال: لا ترد أن تسأل عنه. قلت: ولم ذاك؟ قال: ما سؤالك عن رجل إذا حضرك ملكك، وإذا غاب عنك شاقك، وإذا عرفت بصحبته فضحك! وكان مطيع بن مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. فقد مدح الوليد بن يزيد ونادمه ومدح أخاه وخص به.
قال: حضر مطيع بن إياس وشراعة بن الزندبوذ ويحيى بن زياد ووالبة بن الحباب وعبد الله بن عياش المنتوف وحماد عجرد مجلس بعض الأمراء بالكوفة. فاجتمعوا كلهم على مطيع فكايدوه وهجوه، فغلبهم كلهم، ثم بدههم فقال:
وخمسةٍ قد أبانا لي عداوتهم ... وقد تلظّى لهم مقلى وطنجير
لو يقدرون على لحمي تقسّمه ... قردٌ وكلبٌ وجرواه وخنزير
فقطعهم وأقروا له.
قال: واجتمعوا يشربون، فأقاموا على ذلك أياماً. فقال لهم يحيى بن زياد ليلة، وهم سكارى: ويحكم! ما صلينا منذ ثلاثة أيام. فقوموا بنا حتى نصلي. فقالوا: نعم! فقام مطيع فأذن وأقام. ثم قال للمغنية: تقدمي فصلي بنا. فتقدمت، وكانت بلا سراويل، وعليها غلالة رقيقة. فلما سجدت انكشف متاعها، فوثب إليه مطيع فقبل، ثم قال:
ولما بدا هنها جاثماً ... كرأس حليق ولم تعتمد
سجدت له ثم قبّلته ... كما يفعل العابد المجتهد
فقطعوا صلاتهم بالضحك، ثم عادوا إلى ما كانوا عليه.
قال: كتب يحيى بن زياد يوماً إلى مطيع: أنا نشيط للشرب، فإن كنت فارغاً فصر إلي. وإن كان عندك نبيذ طيب وغناء جئتك! فجاءته الرقعة وعنده حماد الراوية وحكم الوادي وغلام أمرد، فأجابه:
نعم، لنا نبيذٌ ... وعندنا حمّاد
وعندنا وادينا ... وهو لا عماد
وخيرنا كثيرٌ ... والخير يستزاد
ولهونا لذيذٌ ... لم تلهه العباد
أو تشتهي سفاد ... فعندنا فساد
أو تشتهي غلاماً ... فندنا زياد
ما إن به التواءٌ ... عنّا ولا بعاد
فلما قرأ الرقعة، صار إليهم، فتمموا بقية يومهم.
وقال يحيى بن زياد له: انطلق بنا إلى فلانة المغنية، وكان يهواها، فإن بيننا مغاضبة، فلعلك أن تصلح بيني وبينها، وبئس المصلح، والله، أنت! فدخلا إليها، فأقبل يحيى يعاتبها، ومطيع ساكت. فقال له: ما يسكتك، أسكت الله نأمتك؟ فقال مطيع:
أنت معتلّةٌ عليه وما زا ... ل مهيناً لنفسه في هواك
فأعجب يحيى ما قاله، وهش له، وقال: هيه! فقال:
فدعيه، وواصلي ابن إياسٍ ... جعلت نفسه الغداة فداك
فقام إليه يحيى بالوسادة يجلد بها رأسه، وقال: ألهذا دعوتك يا ابن الفاعلة؟