لا قليل ولا كثير, بل يخرجه إلى مجلس القاضي, ويحصل ثمنه ويصرفه في عمارة المساجد المهجورة (?). وكان نور الدين -رحمه الله- يتقبل النقد بصدر رحب مهما بلغت شدته, ومن ذلك ما فعله الواعظ أبو عثمان المنتخب بن أبي محمد الواسطي -كان من صالحي زمانه- تناول نقدًا للدولة الزنكية في أخذها الضرائب والمكوس في حضور نور الدين نفسه, فحذره وخوفه مما هو فيه, وقال لنور الدين هذه القصيدة:

مثل وقوفك أيها المغرور ... يوم القيامة والسماء تمور

إن قيل نور الدين رحت مسلمًا ... فاحذر بأن تبقى ومالك نور

أنهيت عن شرب الخمور وأنت في ... كأس المظالم طائش مخمور

عطَّلت كاسات المدام تعفُّفًا ... وعليك كاسات الحرام تدور

ماذا تقول إذا نقلت إلى البلى ... فردًا وجاءك منكر ونكير

ماذا تقول إذا وقفت بموقف ... فردًا ذليلاً والحسابُ عسير؟

ذ ... وتعلقت فيك الخصوم وأنت في ... يوم الحساب مسلسل مجرور

وتفرقت عنك الجنود وأنت في ... ضيق القبور موسد مقبور

ووددت أنك ما وليت ولاية ... يومًا ولا قال الأنام أمير

وبقيت بعد العز رهن حُفيرة ... في عالم الموت وأنت حقير

وحسرت عريانًا حزينًا باكيًا ... قلقًا ومالك في الأنام مجير

أرضيت أن تحيا وقلبك دارس ... عافى الخراب وجسمك المعمور

أرضيت أن يحظى سواك بقربه ... أبدًا وأنت معذب مهجور

مهد لنفسك حجة تنجو بها ... يوم المعاد ويوم تبدو العور

فلما سمع نور الدين هذه الأبيات بكى بكاء شديدًا, وأمر بوضع المكوس والضرائب في سائر البلاد (?). وكتب إلى الناس ليكون منهم في حل مما كان أخذ منهم, ويقول لهم: إنما صرف ذلك في قتال أعدائكم من الكفرة والذب عن بلادكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015