قدماً في الحياة ووقف المسلمون حيث هم لايبرحون مكانهم الذي كان عليه الآباء والأجداد من بضعة قرون) (?). واستمر التعصب المذهبي في إضعاف المستوى التعليمي، وانحدار العلوم وجمودها وتكبيل العقول والأفهام والحجر عليها. بالإضافة الى ماتسبب فيه من تفريق كلمة المسلمين وإفساد ذات بينهم، وزرع العداء والشقاق بين أفرادهم وجماعاتهم، وبعد أن تحزبوا طوائف وجماعات، كل طائفة تناصر مذهبها، وتعادي غيرها من أجله، وفي تلك الفترة تفاقم هذا التعصب وعم الاقطار الاسلامية ولم يسلم منه قطر ولا مصر؛ فالجامع الأزهر كان ميداناً رحباً للصراعات المذهبية خصوصاً بين الشوافع والأحناف وذلك من أجل التنافس الشديد على مشيخة الأزهر (?).
إن العصبية المذهبية أوجدت حواجز كثيفة بين المسلمين في القرون الأخيرة، فأضعفت شعورهم بوحدتهم الاسلامية اجتماعياً وسياسياً، وأروثت فيما بينهم من العداوات ما شغلهم عن أعداء الاسلام على اختلاف أنواعهم، وعن الأخطار المحدقة بالمسلمين والاسلام ... ) (?).
لقد كان التعصب المذهبي منحرفاً عن منهج الله تعالى وزاد هذا الانحراف عمقاً في حجر العقول، وجمود العلوم، وتفتيت الصف الاسلامي مما كان له أعظم الأثر في ضعف الدولة العثمانية وانحطاطها، وانشغالها بمشاكلها الداخلية في الوقت التي كانت المؤمرات قد احاطت بها وشرع الصليبيون في الأجهاز على الرجل المريض.
ثامناً: انتشار الظلم في الدولة:
إن الظلم في الدولة كالمرض في الإنسان يعجل في موته بعد أن يقضي المدة المقدرة له وهو مريض، وبانتهاء هذه المدة يحين أجل موته، فكذلك الظلم في الأمة والدولة يعجل في هلاكلها بما يحدثه فيها من آثار مدمرة تؤدي الى هلاكها واضمحلالها خلال مدة معينة يعلمها الله هي الأجل المقدر لها، أي الذي قدره الله لهما بموجب سنته العامة التي وضعها لآجال الأمم بناء على مايكون فيها من عوامل البقاء كالعدل، أو من عوامل الهلاك كالظلم التي يظهر أثرها وهو هلاكها بعد مضى مدة محددة يعلمها الله (?). قال تعالى: {ولكل أمة أجل فإذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (سورة الأعراف: آية 34). قال الآلوسي في تفسيره لهذه الآية: {ولكل أمة أجل}. أي ولكل أمة من الأمم الهالكة أجل، أي: وقت معين