4 - وراثة المنصب العلمي:
أصبحت المناصب العلمية في أواخر الدولة العثمانية بالوراثة في الأمور العلمية المهمة كالتدريس والفتوى والإمامة وحتى القضاء، فقد صارت تلك المناصب تورث بموت من كانوا يتولونها، تماماً كما تورث الدور والضياع والأموال، فكثير ما كان يحدث ان يموت شيخ يدرس عليه، فلا يوارى في التراب حتى ينتقل منصبه وكرسيه الى ولده أو أخيه أو أحد أقاربه وقد يكون الوارث قليل الفهم مزجي البضاعة في العلم ولكن لابد للتصدر للإقراء والتدريس وعدم إخلاء الكرسي الذي قد يتربع عليه غريب عن أهل المتوفى حتى ولو كان جديراً بخلافته في منصبه الذي رحل عنه (?).
يقول المؤرخ التركي أحمد جودت المتوفى عام 1312هـ (?) متحدثاً عن تلك الظاهرة السيئة في الدولة العثمانية: (وصار أبناء الصدور والقضاة ينالون وظيفة التدريس وهم أحداث وأطفال، ويترقون لذلك في الوظائف، حتى إن الواحد منهم لتأتيه نوبته في المولولية (?) وما طر شاربه ولا اخضر عذاره. وكان ينال التدريس أيضاً كل ذي وجاهة واعتبار حتى صارت المراتب والمناصب العلمية تؤخذ بالارث، فسهل على الوزراء ورجال الدولة تقليدها لأبنائهم وغيرهم، فازدحم عليها الغوغاء وصار الجهال يموج بعضهم في بعض، وألتبس الأمر وفسد أي فساد) (?).
ويقول: (محمد كرد علي) في حديثه عن الأحوال العلمية في الشام وترديها في العصر العثماني: (وقد قويت في هذا العصر قاعدة خبر الأب للابن، وكان المفتي (ابو السعود) من مشايخ الاسلام في الاستانة أول من ابتدعها وأخرجها للناس، فأصبح التدريس والتولية والخطابة والإمامة وغيرها من المسالك الدينية توسد الى الجهلة بدعوى أن آبائهم كانوا علماء، وهم يجب أن يرثوا وظائفهم ومناصبهم وإن كانوا جهلة كما ورثوا حوانيتهم وعقارهم وفرشهم وكتبهم، بل بلغت الحال بالدولة إذ ذاك أن كانت تولي القضاء الأميين، وكم من أمي غدا في (دمشق) و (حلب) و (القدس) و (بيروت) قاضي القضاة، أما في الأقاليم فربما كان الأميون أكثر من غيرهم ... ) (?).