وكان من الطبيعي أن تصاب العلوم الدينية في هذه الفترة بالجمود والتحجر نتيجة لعدة عوامل أعطت اثرها عبر القرون المتوالية، ومن هذه العوامل:
1 - الاهتمام بالمختصرات:
قام بعض العلماء باختصار المؤلفات الطويلة بغية تسهيل حفظها لطلبة العلم، حيث غدا الحفظ هو الغاية عند العلماء والطلاب حيث ضعفت ملكة الفهم والاستنباط عندهم: (فأصبح الفقهاء ينقلون أقوال من قبلهم، ويختصرون مؤلفاتهم في متون موجزة، ويأخذون هذه الأقوال مجردة عن أدلتها من الكتاب والسنة، مكتفين بنسبتها الى أصحابها) (?).
يقول الشيخ عبد الحميد بن باديس ناقداً للطريقة في تدريس الفقه: (واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، وراء أسوار من الألفاظ المختصرة تفني الأعمار قبل الوصول إليها) (?).
ويذكر الإمام الشوكاني اهتمام الناس في عصره بهذه المختصرات والخطورة التي تنطوي على ذلك فيقول: (قد جعلوا غاية مطالبهم ونهاية مقاصدهم العلم بمختصر من مختصرات الفقه التي هي مشتملة على ماهو من علم الرأي والرواية والرأي أغلب، ولم يرفعوا الى غير ذلك رأساً من جميع أنواع العلوم، فصاروا جاهلين بالكتاب والسنة وعلمهما جهلاً شديداً، لأنه تقرر عندهم أن حكم الشريعة منحصر في ذلك المختصر، وأن ما عداه فضلة أو فضول، فاشتد شغفهم به وتكالبهم عليه، ورغبوا عما عداه، وزهدوا فيه زهداً شديداً) (?).
2 - الشروح والحواشي والتقريرات:
يقول الشوكاني -رحمه الله- الذي دَرَسَ ودَرَّسَ الكثير من هذه الشروح والحواشي في مختلف العلوم الدينية واللغوية منتقداً لها: (مع أن فيها جميعاً ما لا تدعوا إليه الحاجة بل غالبها كذلك ولاسيما تلك التدقيقات التي في شروحها وحواشيها فإنها عن علم الكتاب والسنة بمعزل) (?).
لقد كانت المؤلفات على كثرتها من شروح وحواشي وغير ذلك من الأغلال التي كبلت العقول وأدت الى جمود العلوم عبر قرون عديدة وكانت توجد بعض الحواشي والشروح