واستعانة بعضهم بالحكام واستعداء السلطة عليهم، ومتى ما حدث ذلك فإنها تسنح الفرصة للطغاة لإنزال ضرباتهم الموجعة لتقويض صف العلماء كالخلاف الذي وقع بين الشيخ (عبد الله الشرقاوي) شيخ الأزهر، وبين بعض المشايخ الآخرين حيث ترتب على ذلك الخلاف صدور الأمر من محمد علي باشا الى الشيخ الشرقاوي بلزوم داره وعدم الخروج منها ولا حتى الى صلاة الجمعة، وسبب ذلك كما يقول الجبرتي: (أمور وضغائن ومنافسات بينه وبين إخوانه ... فأغروا به الباشا ففعل به ماذكر فامتثل الأمر ولم يجد ناصراً وأهمل أمره) (?).
ويصف الشيخ مصطفى صبري حال العلماء الذين ابتعدوا عن أمور الحكم ونصح الحكام، وماهي نظرة العلمانيين للعلماء فقال: (والذين جردوا الدين في ديارنا عن السياسة كانوا هم وإخوانهم لايرون الاشتغال بالسياسة لعلماء الدين، بحجة أنه لاينبغي لهم وينقص من كرامتهم، ومرادهم حكر السياسة وحصرها لأنفسهم، ومخادعة العلماء بتنزيلهم منزلة العجزة، فيقلبون أيديهم، ويخيلون لهم بذلك أنهم محترمون عندهم، ثم يفعلون مايشاؤون لدين الناس ودنياهم، محررين عن احتمال أن يجيء من العلماء أمر بمعروف أو نهي عن منكر، إلا ما بعد من فضول اللسان، أو مايكمن في القلب، وذلك أضعف الإيمان.
فالعلماء المعتزلون عن السياسة، كأنهم تواطئوا مع كل الساسة، صالحيهم وظاليمهم، على أن يكون الأمر بأيديهم ويكون لهم منهم رواتب الإنعام والاحترام، كالخليفة المتنازل عن السلطة وعن كل نفوذ سياسي ... ) (?).
لقد أخلد العلماء في أواخر الدولة العثمانية الى الأرض واتبعوا أهواءهم، وضعفوا عن القيام بواجباتهم، فكانوا بذلك قدوة سيئة للجماهير التي ترمقهم وترقيهم عن قرب ولقد غرق الكثير منهم في متاع الدنيا وأترفوا فيها، وكممت أفواهم بدون سيف أو سوط ولكن بإغداق العطايا عليهم من قبل الباشوات والحكام، ووضعهم في المناصب العالية ذات المرتبات الجزيلة والمزايا العظيمة التي تكون كفيلة بإسكات أصواتهم وكبح ثورتهم واعتراضهم (?).
(لقد كان علماء الدين دائماً في تاريخ هذه الأمة هم قادتها وموجهيها، وهم ملجأها كذلك إذا حزبهم أمر، وملاذها عند الفزع .. تتجهم إليهم لتتلقى علم الدين منهم، وتتجه