وقال المستشرق الصهيوني (برنارد لويس) تحت عنوان (عودة الاسلام) في دراسة نشرها عام 1976م: (إن غياب القيادة العصرية المثقفة: القيادة التي تخدم الاسلام بما يقتضيه العصر من علم وتنظيم، إن غياب هذه القيادة قد قيدت حركة الاسلام كقوة منتصرة، ومنع غياب هذه القيادات الحركات الاسلامية من أن تكون منافساً خطيراً على السلطة في العالم الاسلامي، لكن هذه الحركات يمكن أن تتحول الى قوى سياسية هائلة إذا تهيأ لها هذا النوع من القيادة) (?).
إن الباحث في الدولة العثمانية يجد أن القيادة الربانية كانت موجودة في عصورها المتقدمة وخصوصاً عند فتح القسطنطينية فنجد القادة الربانيين في المجال الجهادي والمجال المدني ونلاحظ الصفات المشتركة بينهم، كسلامة المعتقد، والعلم الشرعي، والثقة بالله، والقدوة، والصدق والكفاءة، والشجاعة، والمروءة، والزهد، وحب التضحية، وحسن الاختيار للمعاونين، والتواضع وقبول التضحية، والحلم والصبر، وعلو الهمة، والتميز بخفة الروح والدعابة، والحزم والإرادة القوية، والعدل والاحترام المتبادل، والقدرة على حل المشكلات، والقدرة على التعليم وإعداد القادة، وغير ذلك من الصفات.
لقد قاد محمد الفاتح الأمة في زمنه قيادة ربانية، وقد جرى الايمان في قلبه وعروقه، وانعكست ثماره على جوارحه، وتفجرت صفات التقوى في أعماله وسكناته وأحواله، وانتقل بدولته وشعبه نحو الأهداف المرسومة بخطوات ثابتة وكان العلماء الربانيون هم قلب القيادة في الدولة وعقلها المفكر، ولذلك سارت الأمة والدولة العثمانية على بصيرة وهدى وعلم (?) وأما في العصور المتأخرة يجد الباحث أنحرافاً خطيراً في القيادة العثمانية على المستوى العسكري والعلمي، فمثلاً وصل الى الصدارة العظمى مدحت باشا الماسوني، ووالى ولاية مصر محمد علي باشا العلماء والفقهاء وإن المرء ليعجب من اختيار العلماء لرجل مثل (محمد علي باشا) ليتولى أمورهم، وإصرارهم عليه في تولي الحكم، أما كان أحدهم أولى به من عسكري جاهل مغرور ويبدو إن العلماء فقدوا ثقتهم في علمهم وتهيبوا النزول الى الميدان، وتحمل المسؤوليات العظام؛ لأنهم قد ألفوا الركون الى حلقات العلم وتأليف الكتب، ولم يعودوا قادرين على القيام بغير ذلك من مهمات ومسؤوليات؟
ومن الأمور المحزنة التي كانت تقع بين العلماء حدوث المنافسات والضغائن بينهم