والعجز والانحطاط، واتسعت هوة التخلف والسقوط، وكانت أوربا الصليبية تواصل صعودها في سلم الحضارة المادية وتعد جيوشها للزحف على العالم الإسلامي الغارق أهله في دنيا الخرافات والأوهام، والاتكال على الخوارق والكرامات.
وفي الوقت الذي كانت فيه الأمة تعاني أشد المعاناة من الضعف والانحطاط، وتدور عليها المؤمرات من الأعداء وتحاك لها الدسائس، كان كثير من علمائها طوع مشيئة شيوخهم من المتصوفة المنحرفين الذين أشاعوا روح الذل والخنوع في الأمة والذلة والهوان وغير ذلك من الأمراض المنحرفة، وتركت كثير من الطرق الصوفية المنحرفة الجهاد لمقارعة الاعداء، واصبح الأولياء في عرف الناس هم المجاذيب والمجانين والمعتوهين، ولاشك أن هناك بينهم نسبة كبيرة من الدجالين والمحترفين، استغلوا ما للمجاذيب من مكانة مقدسة في نفوس الناس، فاندسوا في صفوفهم، ليصبحوا ضمن رابطة الأولياء، من الذين لالوم عليهم ولا عتاب، مهما ارتكبوا من الموبقات، وجاهروا بالفواحش والآثام، وكان الكثير منهم يتعامل مع الجن فكان طبيعياً تنفذ سهام الاعداء، وتنجح مخططاتهم، وتحتل جيوشهم أرضنا، وتستباح بيضتنا، ولقد حفلت الصوفية ببحر زاخر من العقائد المنحرفة والضالة ولعل آخر العقائد من آمن بها كثير من المتصوفة المنحرفين كعقيدة وحدة الوجود والحلول، لقد احتضن المتصوفة المنحرفين هذه العقائد، وعملوا على نشرها، وألفوا مؤلفات من أجلها واعتبروها الحقيقة التي كشفت لهم سرها وستر عن الآخرين.
وكان تدريس كتابيّ (فصوص الحكم) و (الفتوحات المكية) لـ (ابن عربي) وغيرها من كتب المتصوفة التي تطفح بعقيدتي وحدة الوجود والحلول هو شعار كبار العلماء من المتصوفة وغيرهم، وهو المنزلة العلمية التي لايتبوؤها إلا الخاصة منهم، والمستوى العلمي الذي لايرقى إليه إلا فحول العلماء (?).
لقد لقيت هذه العقائد المنحرفة رواجاً واسعاً بين المتصوفة المنحرفين في تلك الفترة الحرجة التي كانت تمر بها الأمة الاسلامية، فكان كثير منهم يؤمن بعقيدة وحدة الوجود، التي لايمكن للحياة في ظلها أن تفسد، ويحيق الدمار بالعالم، وتبطل الأديان بالكلية، فلا يبقى معها دين ولا جهاد، ولا عداء بين مسلم وكافر، فالكل واحد، والوجود واحد، وإن تعددت المظاهر، نسأل الله السلامة في الدين.