كالحمير حول المدار، وتارة كالذباب ترقص وسط الديار، فيارحمة للسقوف والأرض من دك تلك الأقدام، ويا سوأتا من أشباه الحمير والأنعام، وياشماتة أعداء الإسلام، بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام، قضوا حياتهم لذة وطرباً، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً، مزامير الشيطان أحب إليهم من سماع سور القرآن، لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكناً، ولا أزعج له قاطناً، ولا أثار فيه وجداً ولاقدح فيه من لواعج الأشواق إلى الله زنداً، حتى إذا تلي عليه قرآن الشيطان وولج مزموره سمعه، تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت، وعلى يديه فصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى أنفاسه فتصاعدت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى نيران أشواقه فاشتعلت .. ولقد أحسن القائل:
تلي الكتاب فأطرقوا لاخيفة
لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا
والله مارقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن
فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا
تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعداً وبرقاً إذ حوى
زجراً وتخويفاً بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن
شهواتها ياذبحها المتناهي
وأتى السماع موافقاً أغراضها
فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه (?)
وهكذا أصبحت حياة المتصوفة المنحرفين في اللهو والسخافة وأضاعوا أوقاتهم وأعمارهم في مجالس الذكر والسماع والملاهي، وأصبحت حياتهم من أولها إلى آخرها تدور حول الذكر في صورته المنحرفة، وضاعت عبادة السعي في مناكب الأرض وطلب الرزق، والجهاد، وطلب العلم ونشره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكلها أمور تشغل عن الذكر وتصد عنه، ومن ثم ينبغي على المسلم أن لايشتغل بها وأن يعيش حياته على الذكر بالسماع والغناء والرقص.
ودخل في عالم التصوف المنحرف تقديس الأشخاص الأموات منهم والأحياء ونسبوا إليهم خوارق العادات والكرامات، وعاشوا في الأوهام، وعالم الخيال وأصيب الناس بالوهن