اضرب الدف وجانب جاهلاً
حكمة الشرع لمعنى مادرى
كل ما حرك قلباً ساكناً
ودعا العقل منه معتبراً
وأجال الروح في برزخها
تذكر الله وتبغي مظهراً
فهو بر والذي يفعله
فعل البر والله يرى
إن في الدف وفي رنته
نغمة يعرفها من ذكرا
صوته ذكر وفي بحته
أنّه تذكر أوقات السرى
نضرب الدف ومنه عندنا
ذاكراً نسمعه لن يفترا (?)
وقد كان للسماع عند جمهور المتصوفة منزلة عظيمة: يقول أبو الهدى الصيادي: " من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن لطف الاعتدال بعيد عن نور الروحانية، زائد في غلظة الطبع وكثافته، بل هو أبلد من الجمال والطيور وسائر البهايم، فإن جميعها تتأثر بالنغمات الموزونة ... وبالجملة فالسماع يثمر حالة في القلب وتسمى وجداً، ويثمر الوجد تحريك الأطراف، إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب، وإما بحركة موزونة فتسمى التصفيق والرقص" (?).
وياليت أولئك المتصوفة اقتصروا على الولوع بالطرب والسماع والغناء، ولكنهم جعلوه إلى الله قربة، وعدوه طاعة تلين بها القلوب، وتشف بها الأرواح.
وما أحسن ماقاله العلامة الحافظ ابن القيم الجوزية عن هؤلاء المتصوفة حيث يقول: " فلو رأيتهم عند ذياك السماع، وقد خشعت منهم الأصوات، وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه، وانصبت انصبابة واحدة إليه، فتمايلوا له ولا كتمايل النشوان، وتكسروا في حركاتهم ورقصهم، أرأيت تكسر المخانيث والنسوان؟.
ويحق لهم ذلك، وقد خالط خمرة النفوس، ففعل فيها أعظم ماتفعله حميا الكؤوس، فلغير الله، بل للشيطان، قلوب هناك تمزق، وأثواب في غير طاعة تنفق، حتى إذا عمل السكر فيهم عمله، وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله، واستفزهم بصوته وحيله، وأجلب عليهم برجله وخيله، وخز في صدورهم وخزاً، وأزهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزاً فطوراً تجعلهم