وفسدت لدى كثير من المتصوفة عقيدة القضاء والقدر وأصبحت عندهم عقيدة سلبية مخذلة لقد كتب أحد المستشرقين الألمان وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم الأخيرة يقول: " طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله والرضا بقضائه وقدره والخضوع بكل مايملك للواحد القهار. وكان لهذه الطاعة أثران مختلفان: ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب إذ حققت نصراً متواصلاً لأنها دفعت في الجندي روح الفداء وفي العصور الأخيرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي فقذف به إلى الإنحدار وعزله وطواه عن تيارات الأحداث العالمية " (?).
إن هذا الرجل وهو كافر أدرك هذه الحقيقة: حقيقة الفرق بين الإيمان بالقدر كما فهمه السلف وبين الإيمان الذي ابتدعه الخلف متأثرين بالمتصوفة، فالذنب ليس ذنب العقيدة بل ذنب المعتقدين بها، وقد صاغ ذلك شاعر الإسلام محمد إقبال شعراً فقال:
من القرآن قد تركوا المساعي
وبالقرآن قد ملكوا الثريا
إلى التقدير ردوا كل سعي
وكان زماعهم قدراً خفيا
تبدلت الضمائر في اسار
فما كرهوه صار لهم رضيا (?)
وقد استغل نابليون بونابرت تلك الفكرة المنحرفة عن القضاء والقدر لما احتلت جيوشه الصليبية أرض مصر، فكان يصدر منشوراته بتذكير المسلمين بأن ماوقع لهم من الاحتلال والأسر كان بقدر من الله، فمن حاول الاعتراض على ماوقع فكأنما يعترض على القضاء والقدر (?).
لقد كانت مفاهيم التصوف المنحرف تنخر في كيان الدولة العثمانية، وكان العالم الصليبي ينطلق في مجالات العلم وميادين المعرفة آخذاً بأسباب القوة والتقدم والرقي ويدير المؤامرات والدسائس لتفتيت الدولة العثمانية ومن ثم الهيمنة على العالم الإسلامي.
وكان المتصوفة المنحرفون مقبلين على استماع الملاهي والمعازف ويتعلمون الموسيقى وكانت مجالسهم مليئة بالطبول والنايات والأعلام والرايات وكانت كثير من الطرق المنحرفة لاتخلو حلقات الذكر من الدف حتى قال أبو الهدى الصيادي وهو من خواص السلطان عبد الحميد الثاني، ومن أنصار الجامعة الإسلامية: