رابعاً: الصوفية المنحرفة:

إن أعظم انحراف وقع في تاريخ الأمة الإسلامية ظهور الصوفية المنحرفة كقوة منظمة في المجتمع الإسلامي تحمل عقائد وأفكار وعبادات بعيدة عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قوى عود الصوفية المنحرفة واشتدت شوكتها في أواخر العصر العثماني بسبب عوامل متعددة منها:

1 - الأحوال السيئة التي كانت تعيشها الأمة الإسلامية، والواقع المرير الذي كان يعيشه المسلمون في تلك الفترة، من انتشار التخلف والظلم والطغيان والفقر والمرض والجهل، كل ذلك جعل الناس يرتمون في أحضان الصوفية المنحرفة، التي لاتقوم بأكثر من الترتيب عليهم، والتحذير لهم، وجعلهم يعيشون في غير واقعهم الذي فروا منه.

2 - كان اضطراب الأمن وانعدامه سمة من سمات العصور المتأخرة، حيث كانت تزهق الأرواح لأسباب تافهة بل دون سبب في بعض الأحيان، وفي هذه الأجواء الحالكة، والظروف العصيبة، كان أرباب التصوف يحيون حياة هادئة يرفرف عليها الأمن والاطمئنان بعيدة عن المصائب والفتن التي فتكت بالناس.

" قد كان الفقراء أروح بالاً وأكثر طمأنينة من الفلاحين في حقولهم والتجار في متاجرهم والصناع في مصانعهم، فقد كانوا في أمن من تطبيق القوانين ... وكانوا في أغلب فترات الظلم الفادح في نجاة من هذه الشرور كلها، لأن الجنود كانوا يخافون بأسهم، ويخشون سلطانهم الروحي، ويؤمنون باتصالهم بالله، فيتزلفون إليهم ويطلبون الرضا منهم، قأقبل بعض الناس على دخول الطريق مدفوعاً بما سيصيبه في رحاب الزوايا من اطمئنان البال واستقرار الحال " (?).

3 - الترف في معيشة ارباب الفرق: " كان الفقراء فوق النجاة من ضغط الحياة يومذاك لايجهدون أنفسهم في احتراف عمل يكسبون قوتهم من ورائه، بل كانوا يعيشون في الزوايا، طاعمين كاسين، على نفقة المحسنين والأثرياء بدعوى التفرغ للذكر والانقطاع للتهجد والتجرد لعبادة الله. ومن أطرف مفارقة هذا العصر أن يكون هؤلاء الزهاد الذين يدعون التقشف والقناعة بالتافه من شؤون العيش، أرغد عيشاً وأترف حياة من الفلاحين والتجار وأرباب الحرف ... " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015