ذريعاً، وأصبحت حياة رعايا الدولة ممزوجة بها، فقلما تخلو منها عبادة، أو عمل أو شأن من شؤون الحياة سواء في الجنائز والمآثم والأعراس والضيافات والولائم، وبدع الموالد عند المتصوفة المنحرفين وهكذا أصبحت البدع ترى في كل مكان تكاد تحتل منزلة الصدارة من حياة الناس يعمل بها الجاهلون ويأيدها العالمون، وأصبحت السنة بدعة والبدعة سنة (?) وتغير مفهوم الدين والعلم من منهج كامل وشامل لجميع مجالات الحياة إلى طقوس غريبة ورسوم بالية يتشبثون بها، ويحسبون أنهم مهتدون وتحول صحيح البخاري بما حواه من منهج للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تقليد بال رتيب، يتلى في الأزمات، ويقرأ في الحروب، طلباً للنصر ودحر الأعداء (?).
لقد أضحت السنة في تلك الفترة غريبة جداً، بعد أن غمرها طوفان البدع العظيم، وصار الناس متشبثين بالبدع على أنها من صميم الدين، ويأبون التفريط فيها مطلقاً، في الوقت الذي كانوا يفرطون فيه في كثير من أحكام الإسلام، ويكافحون من أجلها، ويتعاهدون عليها، ويرون أنهم خدموا الدين، ونفعوا المسلمين (?).
- انتشار الخرافات:
في أواخر الدولة العثمانية فشت الخرافات والأساطير في جموع المسلمين بشكل منقطع النظير، وأضحت كحقائق مسلمة لاتقبل النقاش مطلقاً، وليس ذلك فحسب، وإنما غدت عند كثير منهم أموراً مقدسة لايجوز التهاون بها، فضلاً عن التشكيك في صحتها.
ومن الخرافات في الأستانة أنه جامع خوجة مصطفى باشا محاط بزنجير مربوط طوفه بشجرة سرو قديمة، ولهذا الزنجير خرافة يتناقلها الجهلاء مؤداها أن كل من أنكر شيئاً حقيقياً، وجلس تحت هذا الزنجير، فهو يسقط على رأسه، وإذا كان صادقاً في إنكاره، فالزنجير لايتحرك (?) لقد كانت الأمة في تلك الفترة غارقة في عبادة الأضرحة، والتعلق بها من دون الله عزوجل، ووقعت فريسة لكثير من مظاهر الشرك والغلو والبدع والخرافات، التي ملأت حياتها، وشغلت أوقاتها، وقتلت طاقاتها، وصرفت جهودها عن طريقها الصحيح، فعجزت عن النهوض من كبوتها، ولم تستطع أن تعالج أسباب انحطاطها؟ وانهزمت أمام جيوش الأعداء ووهنت عن مقاومة مخططاتهم ومؤامراتهم وكانت النتيجة ضياع الدولة العثمانية.