كلامهم وفي شعرهم يعزون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة، ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته، وبعد وفاته يقيناً وتسليماً، لربهم وتضعيفاً لأنفسهم أن يكون شيء لم يحط به علمه ولم يحصه كتابه ولم يمض فيه قدره وأنه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه ومنه تعلموه، ولئن قلتم لم أنزل الله آية كذا ولم قال كذا، لقد قرأوا منه ما قرأتم وعلموا من تأوليه ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك كله بكتاب وقدر وكتب الشقاوة وما يقدر يكن وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا (?). ومن خلال رسائل وخطب عمر بن عبد العزيز يتضح معتقد عمر بن عبد العزيز في القدر وفي بيانه لمراتبه، فأول مراتبه:
أـ العلم: والمقصود أن الله تبارك وتعالى قد علم ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون قبل أن يخلقهم بعلمه القديم الذي هو صفة من صفات ذاته وأنه يعلم أهل الجنة وأهل النار قال تعالى: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا)) (الأنعام، آية: 59).
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم لرجل سأله بقوله يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: ففيم يعمل العاملون؟ قال: كل مسير لما خلق له (?).
ب ـ مرتبة الكتابة: خطب عمر بن عبد العزيز فقال: أيها الناس من عمل منكم خيراً فليحمد الله تعالى ومن أساء فليستغفر الله، ثم إن عاد فليستغفر الله فإنه لابد لأقوام أن يعملوا أعمالاً وضعها الله في رقابهم وكتبها عليهم (?). وخطب يوماً فقال: إن الدنيا ليست بدار قرار، دار كتب الله عليها الفناء وكتب على أهلها منها الظعن (?). فهذا هو المأثور عن عمر من كتابة الله مقادير الخلائق قبل خلقهم وإحصائه كل ذلك وعلمه جزائيات كل (?) شيء. قال تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)) (الحديد، آية: 22) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء (?).