المشركون بالله وما تعبدون من الآلهة والأوثان ما أنتم عليه بفاتنين أي بمضلين أحداً إلا من سبق في علمي أنه صال الجحيم (?). وقد بين عمر في خطبه ورسائله أن الله تبارك وتعالى هو الهادي وهو المضل، وهذا ما جاء في الكتاب العزيز قال تعالى: ((مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) (الأنعام، الآية 39). وغيرها من الآيات وقد كانت القدرية تنكر أن يكون الله تعالى هو الهادي وهو الفاتن. وإنما العبد هو الذي يهدي نفسه إذا شاء ويضلها إذا شاء فلعل رسائل عمر وخطبه في الجمع من الردود على هؤلاء المبتدعة وسواء قصدهم عمر بخطبه أو ألقاها بدون قصد الرد عليهم تبقى ردوداً قوية على كل من انحرف في باب القدر عن منهج الكتاب والسنة، وقد بين عمر بن عبد العزيز أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى مقدرة له مكتوبة على عباده، وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) (الصافات، الآية: 96). وقال صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس (?)).

وقد بين عمر بن عبد العزيز ـ كما جاء في خطبه ـ أن العبد إذا أذنب فعليه أن يتوب ويستغفر الله تعالى ولا يحتج على الله بالقدر ولا يقول أي ذنب لي وقد قدر علي هذا الذنب، بل يعلم أنه هو المذنب العاصي الفاعل للذنب وإن كان ذلك كله بقضاء الله وقدره ومشيئته، إذ لا يكون شيء إلا بمشيئته وقدرته وخلقه، كما رد عمر على القدرية القائلين بأن العبد له مشيئة مستقلة يستطيع بها رد علم الله فبين أن العبد له قدرة ومشيئة ولكنها تابعة لمشيئة الله تعالى (?).

4 ـ بيان مراتب القدر:

إن الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تدل بمجموعها على الإيمان بالقدر، كما تدل على الإيمان بمراتب القدر الأربعة التي اتفق السلف الصالح رحمهم الله تعالى ومن سار على نهجهم على أنه لا يتم الإيمان بالقدر، إلا بالإيمان بها كلها. وهي: العلم، والكتابة والمشيئة والخلقَ، وكانت القدرية الموجودون في زمن عمر بن عبد العزيز ينكرون العلم والكتابة وهؤلاء هم الذين تبرأ منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب بقوله: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني (?). ومن كلام عمر بن عبد العزيز في بيان مراتب القدر رده على الرجل الذي كتب إليه فجاء في رسالته: .. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير بإذن الله وقعت، وما أعلم ما أحدث الناس من محدثة ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثرا ولا أثبت أمرا من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء يتكلمون به في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015