3 ـ أم البنين والحجّاج:

تذكر كتب التاريخ أن الحجّاج بن يوسف قدم على الوليد بن عبد الملك، فإذن له بالدخول، فدخل عليه، وعليه عمامة سوداء وقوس عربية، وكنانة. فبعثت إليه أمِّ البنين فقالت: من هذا الإعرابي المستلئم ـ المتسلح في السِّلاح عندك، وأنت في غِلالة غررٌ، فأرسل إليها أنه الحجّاج بن يوسف الثقفي. فراعها ذلك وأوجست خيفة في نفسها وقالت: والله، لأن يخلو بك ملك الموت، أحب إليَّ من أن يخلو بك الحجّاج بن يوسف وقد قتل الخلق وأهل الطاعة ظلماً وعدواناً، فعرف الحجّاج رأي أم البنين، فقال للوليد: يا أمير المؤمنين، دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول، فإنما المرأة ريحانة، وليس بقهرمانة، ولا تطلعهن على أمرك ولا تطلعهن في سرّك، ولا تستعملهن لأكثر من زينتهن، وإياك ومشاورتهن، فإنّ رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن، ولا تملك الواحدة منهن من الأمور ما يجاوز نفسها ولا تطمعها أن تشفع عندك لغيرها ولا تطل الجلوس معهن، فإنَّ ذلك أوفر لعقلك وأبين لفضلك ثم نهض الحجّاج وخرج من عند الوليد، فدخل الوليد على أم البنين، فأخبرها بمقالة الحجّاج ورأيه، فقالت: يا أمير المؤمنين، أحبُّ أن يأمره أمير المؤمنين بالتسليم علي غداً قال: أفعل فغدا الحجّاج على الوليد فقال: ائت أم البنين، فسلم عليها. فقال: أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين فقال الوليد: لتفعلنّ، فلا بدّ من ذلك، وأسقط في يد الحجّاج، فهو يعلم رأيها فيه، وفي أخيه محمد بن يوسف من قبل، واللقاء معها لا يبشر بخير، ولكن، ليس في الأمر حيلة، ولا مخرج له من هذا الموقف المحرج. فمضى وأتى مكانها، فحجبته طويلاً، ثم أذنت له، وتركته قائماً ولم تأذن له في الجلوس، ثم قالت له: أنت الممتنُّ على أمير المؤمنين بقتل ابن الزبير وابن الأشعث؟ ثم ذكرت له قتل عبد الله بن الزبير، وعددت له فظائعه وأنكرت عليه قوله بالأمس ـ بالنساء ـ مع زوجها الوليد، وذكرت له قبح منظره وسوء خلقه، ثم قالت تعرّض به: قاتل الله الذي يقول وسنان غزالة الحرورية بين كتفيك:

أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة ... ربداء تنفر من صفير الصَّافر

إلى أخر الأبيات: ثم أمرت جارية لها، فأخرجته مقبوحاً مذموماً مدحوراً، فلما دخل على الوليد سأله فقال: ما كنت فيه يا أبا محمد؟ قال: والله يا أمير المؤمنين، ما سكتت حتى كان بطن الأرض أحب إلي من ظهرها، فضحك الوليد وقال: يا حجّاج إنها ابنة عبد العزيز بن مروان (?)، وأما ما ينسب إلى أم البنين في قصتها المكذوبة مع وضاح اليمني، فهي ليس لها نصيب من الصًّحة (?)، وماذكرته كتب الأدب من الأكاذيب والأباطيل في حق هذه التابعية لا ينظر إليه ولا يعتمد في تقرير الحقائق التاريخية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015