والمقام خمسين يميناً لله ما غصب شيئاً منها، ولا ظلم أحداً ولا أصابها إلا من طَيّب، فحلف، فقبلها الوليد ودفعها إلى أم البنين، فمات بن يوسف باليمن (?).
2 ـ جودها وكرمها: قيل لأمِّ البنين ـ رحمها الله ـ: ما أحسن شيء رأيت؟ قالت: نعم الله مقبلة عليّ (?). ومن أقوالها في ذم البخل والبخلاء: لو لم يدخل على البخلاء في بخلهم إلا سوء ظنّهم بالله عز وجل لكان عظيماً. ومن أخبار جودها أنها كانت تدعو النِّساء إلى بيتها، وتكسوهن الثياب الحسنة، وتعطيهن الدنانير وتقول: الكسوة لكُنَّ والدّنانير أقسمتها بين فقرائكن ـ تريد بذلك أن تعلمهن وتعودهن على البذل والجود. وكانت تقول: أفٍ للبخل والله لو كان ثوباً ما لبسته ولو كان طريقاً ما سلكته (?)، وكانت تقول: البخل كل البخل من بخل عن نفسه بالجنة (?)، ويبدو أن أم البنين قد أحبت بذل المال، وإنفاقه في طرق مشروعة لتشعر بنعمة الله عليها، ولم تكن الدراهم والدنانير تعرف إلى بيتها سبيلا فسرعان ما تنفقها، ولله در الشعر فكأنه عناها بقوله:
وإني امرئ لا تستقر دراهمي ... على الكف إلا عابرات سبيل (?)
وكانت تقول: جُعل لكل قوم نهمه في شيء وجعلت نهمتي في البذل والإعطاء والله للصِّلة والمواساة أحب إليّ من الطعام الطيب على الجوع ومن الشراب البارد على الظمأ (?)، ولشدة حرصها على الإنفاق، ووضع في مواضعه واصطناع آيات المعروف كانت ـ تقول ـ: ما حسدت أحداً قط على شيء إلا أن يكون ذا معروف، فإني كنت أحب أن أشركه في ذلك. ومن الروائع أقوالها في هذا: وهل ينال الخير إلا باصطناعه (?)؟ فمن جملة اصطناعها للمعروف، والإعانة عليه ما ورد أن الثريا بنت علي بن عبد الله، لما مات زوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عنها أو طلقها ـ خرجت إلى الوليد بن عبد الملك وهو خليفة بدمشق في دين كان عليها، فبينما هي عند زوجه أمِّ البنين بنت عبد العزيز، إذ دخل عليها الوليد، فقال: من هذه عندك؟ قالت أم البنين: الثُّريا بنت علي جاءتني أطلب إليك في قضاء دين عليها وحوائج لها. فقضيت حوائجها وانصرفت شاكرة لأمِّ البنين وزوجها الوليد (?).