وأدنيت السيد المطاع في قومه ووليت الحرب الحازم في أمره وقلدت الخراج الموفر لأمانته وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً يعطيه حظاً من نظري، ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النَّطِف (?) المسيء، والثواب إلى المحسن البريء (?)، فخاف المذنب صولة العقاب وتمسك المحسن بحظه من الثواب (?).
هي أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان الأموية أخت عمر بن عبد العزيز وزوجة الوليد بن عبد الملك كانت إحدى فضليات النساء في عصرها وقد ذكرها أبو زرعة في طبقاته فيمن حدَّث بالشام من النساء فقال أم البنين ابنة عبد العزيز بن مروان وروى عنها ابن أبي عَبْلة (?). وكانت رحمها الله ـ دائمة الذكر لله سبحانه وتعالى موصولة القلب بكتابه الكريم، تتعاهد القرآن صباح مساء فلا تكاد ترى إلا وهي تالية للقرآن خاضعة لذكر الرحمن، وكانت تسابق زوجها الوليد في تلاوة القرآن ولها مواقف وأقوال محمودة منها:
1 ـ خشيتها لله عز وجل: كانت تختلف عما كانت عليه عامّة النساء، فإذا ما ذكر الله عز وجل، استشعرت خشيته ومهابته في قلبها، ورأت بنور بصيرتها أنَّ السعداء هم الذين يخافون الله ومن أقوالها في هذا: ما تحلّى المتحلّون بشيء أحسن عليهم من عظيم مهابة الله عز وجل في صدورهم وكانت تتقرّب إلى الله عز وجل بكل ما يرضيه ويقرّبها إليه. ومن صور حياتها المضيئة ما ذكره ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ أنَّها كانت تعتق في كل جمعة رقبة، وتحمل على فرس في سبيل الله عزَّ وجل (?)، وبلغت هذه التابعية درجة عالية من الورع والخوف من الله تعالى فقد كانت تتحرى أمورها بدقة وتعقل، فلا تكاد تقبل عرضاً أو مالاً جاء إلا من وجه شرعي وترفض كل ((هدية)) جاءت من أي مصدر غير مشروع , وإليك هذه القصة: حجَّ الوليد بن عبد الملك، وحجّ محمد بن يوسف من اليمن وحمل هدايا للوليد، فقالت أم البنين للوليد ـ زوجها ـ: يا أمير المؤمنين اجعل لي هدية محمد بن يوسف، فأمر بصرفها إليها فجاءت رسل أم البنين إلى محمد بن يوسف فيها فأبى وقال: ينظر فيها أمير المؤمنين، فيرى رأيه ـ وكانت هدايا كثيرة: فقالت يا أمير المؤمنين إنك أمرت بهدايا محمد بن يوسف أن تُصرف إليَّ، ولا حاجة لي بها قال: ولم؟ قالت: بلغني أنّه غصبها الناس، وكلَّفهم عَمَلها وظَلَمهم، وحمل محمد بن يوسف المتاع إلى الوليد. فقال له الوليد: بلغني أنَّك أصبتها غصباً. قال: معاذ الله، فأمر الوليد، فاستُحلف بين الرُّكن