جريد النخل وحيطانها من اللبن وعلى أبوابها المسوح وتركها على حالها أولى، ينظر فيها الحجاج والزوار والمسافرون إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فينتفعوا بذلك ويعتبر به، ويكون ذلك أدعى لهم إلى الزهد في الدنيا، فلا يعمرون فيها إلا بقدر الحاجة، وهو ما يستر ويكن، ويعرفون أن هذا البنيان العالي إنما من أفعال الفراعنة والأكاسرة، وكل طويل الأمل راغب في الدنيا وفي الخلود فيها. فعند ذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد بما أجمع عليه الفقهاء العشرة المتقدم ذكرهم، فأرسل إليه يأمره بتجديد البناء، كما أراد الوليد، ويحكى أن سعيد بن المسيِّب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً (?). ومن الأعمال التي مهدت للبدع حول القبور من البناء عليها والصلاة إليها، ودعاء الأموات، إدخال حجرة النبي صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، وزخرفته وتزيينه بالفسيفساء (?)، ثم تدرج الحال إلى إدخال جميع الحجرة في المسجد، ثم البناء عليها، وبناء القبة، ثم اتخاذها مصلى واتخاذها ذريعة للبناء على القبور واتخاذها مساجد، والوقوع فيما حذر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر مما صنعوا (?). وقال صلى الله عليه وسلم: ألا، لا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (?)، وقد بنى التابعون على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد فيصلى إليه العوام ويؤدي إلى المحظور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن من استقبال القبر (?). هذا ما فعله أهل العلم وأولو الأمر عندما اضطروا إلى ذلك ستراً للقبر ستراً كاملاً، فلا ينظر، ولا يتمكن أحد من الصلاة إليه، وما ذلك إلا أنهم فهموا الأحاديث الناهية عن الصلاة على القبور وإليها وعن اتخاذ القبور مساجد، وفهم العلة في ذلك النهي فعملوا على إزالة تلك العلة وفي هذا أبلغ رد على شبهة بعض الناس الذين يحتجون بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده (?)، وقد كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز أن يحفر الفوارة بالمدينة، وأن يجري مائها ففعل، وأمره أن يحفر الآبار وأن يسهل الطرق والثنايا، وساق إلى الفوارة الماء من ظاهر المدينة، والفوارة بنيت في ظاهر المسجد عند بقعة رآها فأعجبته (?).

2 ـ بناء المسجد الأموي:

قال ابن كثير في حوادث عام 96هـ: فيها تكامل بناء الجامع الأموي بدمشق على يد بانيه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان، جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء وكان أصل موضع هذا الجامع قديماً معبداً بنته اليونان الكلدانيون الذين كانوا يعمرون دمشق، وهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015