الذين وضعوها وعمروها أولاً ... ثم ـ إن النصارى حولوا بناء هذا المعبد الذي هو بدمشق معظماً عند اليونان، فجعلوه كنيسة واستمر النصارى على دينهم هذا بدمشق وغيرها نحو ثلاثمائة سنة حتى ـ جاء الإسلام ـ وعندما صارت الخلافة إلى الوليد عزم على تحويلها إلى مسجد، بعد أن تفاوض مع النصارى وقام بترضيتهم مقابل عروض مغرية (?). ثم أمر الوليد باحضار آلات الهدم واجتمع إليه الأمراء والكبراء من رؤساء الناس وجاء إليه أساقفة النصارى وقساوستهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن. فقال: أنا أحب أن أجن في الله عز وجل والله لا يهدم فيها أحد شيئاً قبلي (?)، ثم صعد المنارة ثم إلى أعلى مكان من الكنيسة وضرب بها في أعلى حجر فألقاه، فتبادر الأمراء إلى الهدم (?)، فهدم الوليد والأمراء جميع ما جدده النصارى في تربيع هذا المكان من المذابح والأبنية .. ثم شرع في بنائه وقد استعمل الوليد في بناء هذا المسجد خلقاً كثير من الصناع والمهندسين والفعلة، وكان المستحث على عمارته أخوه، وولي عهده من بعده سليمان بن عبد الملك (?)، وقد أنفق في مسجد دمشق أربعمائة صندوق في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار وفي رواية: في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار. قلت فعلى الأول يكون ذلك خمسة آلاف وألف دينار وستمائة ألف دينار، وعلى الثاني يكون المصروف في عمارة الجامع الأموي أحد عشر ألف ألف دينار، ومائتي ألف دينار (?)،وقد نقل إلى الوليد بأن الناس يقولون أنفق الوليد أموال بيت المال في غير حقها فنودي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد الوليد المنبر وقال: إنه بلغني عنكم إنكم قلتم: أنفق الوليد بيوت الأموال في غير حقها. ثم قال: يا عمر بن مهاجر، قم فاحضر أموال بيت المال، فحملت على البغال إلى الجامع وبسطت الأنطاع تحت القبة ثم أفرغ عليها المال ذهباً صبيباً وفضة خالصة حتى صارت كوماً حتى كان الرجل لا يرى الرجل من الجانب الآخر وهذا شيء كثير، فوزنت الأموال، فإذا هي تكفي الناس ثلاث سنين مستقبلة، وفي رواية: ستة عشرة سنة مستقبلة ولو لم يدخل للناس شيء بالكلية ـ ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل على ذلك، ثم قال الوليد: يا أهل دمشق إنكم تفخرون على الناس بأربع: بهوائكم ومائكم، وفاكهتكم، وحماماتكم، فأحببت أن أزيدكم خامسة وهي هذا الجامع فاحمدوا الله تعالى. وانصرفوا شاكرين داعين (?). وقد كان الجامع الأموي لما كمل بناؤه لم يكن على وجه الأرض بناء أحسن منه، ولا أبهى ولا أجل منه، بحيث أنه إذا نظر الناظر إليه، أو إلى أي جهة منه، أو إلى أي بقعة أو مكان منه، تحير فيما ينظر إليه لحسنه جميعه، ولا يمل ناظره، بل كلما أدمن النظر، بانت له أعجوبة ليست كالأخرى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015