1 ـ انتشار الإسلام: ومهما يكن من أمر فإن انتشار الإسلام بتلك السرعة والسهولة اللتين تم بهما جاء ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ، ذلك أنه لم تكد تنقضي على وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مائة سنة حتى كان الإسلام قد ثبتت ركائزه في بلاد ممتدة من المحيط الأطلسي وشبه جزيرة أيبيريا غرباً حتى بلاد الهند وحدود الصين شرقاً، وكان لا بد أن يأتي انتشار الإسلام مصحوباً بالتعريب، لأن معتنقيه كانوا مطالبين بأداء فروضه ومن الواضح أن النطق بالشهادتين يتطلب نطق بعض الألفاظ العربية وفهم معناها، فضلاً عن أن أداء شعائر الصلاة يتطلب معرفة فاتحة الكتاب وحفظ بعض قصار السور من القرآن الكريم، ثم إن الإسلام يطلب من المسلم الإنصات للقرآن الكريم إذا قرئ على مسمع منه وترتيله وتدبر ما فيه من آيات بينات، وهذه كلها أمور ترتبط بمعرفة اللغة العربية وفهمها. وطبيعي أن يكون من المتعذر على اللغات المحلية أن تستمر فأخذت تتقلص تدريجياً، وتنكمش دائرة استعمالها لتفسح المجال أمام العربية (?). وهناك حالات ترتبط ببلاد فتحها المسلمون وحكموها بضعة قرون ومع ذلك لم تعرب أي منهم، ونعني بهذه البلاد فارس والتركستان، فالفرس اعتنقوا الإسلام ولكنهم احتفظوا بلغتهم، وإن جاء هذا الاحتفاظ جزئياً غير كامل حيث إن اللغة الفارسية غدت تكتب وتدون بأحرف عربية من ناحية، كما أن كثيراً من الألفاظ العربية، وخاصة تلك المرتبطة بالإسلام وعلوم الدين دخلت الفارسية من ناحية أخرى (?)، وأما التركستان، فقد كانت حماية ما وراء النهر من عدوان الأتراك الشرقيين من أهم منجزات العصر الأموي التي مكنت السيادة الإسلامية في ما وراء النهر، وأضافوا إلى هذه الجهود جهوداً أخرى في ميدان الدعوة إلى الإسلام ونشر الثقافة العربية في البلاد، وقد وضحت هذه الجهود منذ فجر الفتح الأول، فقد كان قتيبة بن مسلم يبني المساجد في بخاري وسمرقند ولم تكن المساجد دوراً للعبادة فحسب إنما كانت مدارس الثقافة العربية الإسلامية، وأتبع ذلك بتوطين القبائل العربية في المدن الكبرى، وتتابعت الجهود في عهد عمر بن عبد العزيز الذي أسقط الجزية عمن أسلم وأمر عماله بالدعوة إلى الإسلام واستمرت هذه الجهود بعد عمر وخاصة في عهد الوالي أشرس بن عبد الله السلمي (108 ـ 110هـ) إذ كان أول من أنشأ الربط والخوانق والمدارس وعمل على تثبيت قدم الثقافة العربية في البلاد (?).
ومع كل ذلك فإن اللغة العربية لم تستطع أن تنتشر رغم إسلام الأتراك وحماسهم الشديد له وكل ما عمله الأتراك أنهم انتحلوا الخط العربي بحيث لا تجد تركيا على شيء من التعليم