لما صافَّ قتيبة بن مسلم للترك, وهاله أمرهم, سأل عن محمد بن واسع, فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه, يبصبص بأصبعه نحو السماء. قال: تلك الأصبع أحب إليّ من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير (?) , وهذا فهم راسخ من قتيبة بن مسلم الباهلي لأسباب النصر, ألا وهو التوكل على الله تعالى, وتوثيق الصلة به واستلهام النصر منه, ولقد عبأ جيشه وتأكد من حسن إعداده ولكنه بحاجة إلى التأكد مما هو أهم من الإعداد المادي حيث يتجاوز المسلمون بالسلاح المعنوي حدود التكافؤ المادي في القُوَى بمراحل عديدة ولما كان محمد بن واسع في جيشه سارع إلى السؤال عنه, فلما أخبر بأنه مستغرق في مناجاة الله تعالى ودعائه واطمأن قلبه وارتفع مستوى الأمل بالنصر عنده قال تلك الكلمات الإيمانيه الرفيعة: تلك الإصبع أحب إلى من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير (?). إن قوى الأرض كلها بيد الله تعالى, وإن النظر إلى القوى المادية من حيث العدد والعُدد والمواقع, إنما هو حسابات البشر والله جل جلاله قادر على تغيير هذه الموازين في لحظة, وإن من أهم استجلاب نصر الله تعالى دعاء الصالحين, فلذلك استبشر قتيبة خيراً حينما علم باستغراق محمد بن واسع في الدعاء, وهذا الفهم الرفيع من قتيبة رحمه الله يبين لنا سبباً مهما من أسباب انتصاراته الباهرة, التي ظلت تتولى أكثر من عشر سنوات فبالرغم من كونه بطلا لا يُشَقُّ له غبار, وقائداً مخططا يضع للأمور أقرانها, وسياسيا محنكا لا يُخدع, فإنه لم يغتر بكل ذلك بل اعتبر ذلك كله من الأمور الثانوية, ونظر قبل ذلك إلى مدى توثيق الحبل الذي يصل جيشه بالله تعالى فلما عرف بأن محمد بن واسع قد وصل ذلك الحبل بالدعاء وبما سبق ذلك من شهرته بالإيمان القوي والعمل الصالح حصل له اليقين وزال عنه سبب من أسباب الخوف المتمثل بضعف الصلة بالله تعالى (?).
إن محمد بن واسع رحمه الله تعالى معدود من العلماء الربانيين المشهورين بالزهد والورع والخشوع وهو مدرسة في معالجة أمراض النفوس وتطهير القلوب, ومن أقواله النيَّرة في الزهد والورع واليقين: إني لأغبط رجلا معه دينه ومامعه من الدنيا شيء وهو راض (?) وإذا كان محمد بن واسع يغبط أهل الدين المجردين من الدنيا فما أكثر من يغبطون أصحاب الأموال, وما أبعد الفرق بين السابقين بالخيرات والمقصِّرين (?). وقيل إنه قال لرجل: هل أبكاك قط سابق علم الله فيك (?) يعني أن المقربين مع ما يقومون به من الورع والعمل الصالح