داخل أرض العدو في دولة الروم، منذ تحققت الوحدة في عهد عبد الملك (?). ولقد أثبت عبد الملك بعد إعادة الوحدة السياسية أن الدولة وأن قوّتها الموحدة قادرة على التفوّق وإحراز السيادة، وتحقيق النصر على البيزنطيين، وأن قوتها الموحدة قادرة على الاندفاع في الجبهات كافة (?)، واستمرت الجيوش الإسلامية في جهادها طوال مدة الوليد ثم سليمان، وقد برز مسلمة بن عبد الملك في تلك الحروب كقائد فذ، ومقاتل عظيم، فكان في كل سنة يفتح بلداً أو حصناً من الحصون العظيمة التي أقامها الروم لتأمين سلامة بلادهم والمحافظة عليها من غارات الأعداء، وكان يغزو معه هذه الغزوات ـ في عهد الوليد ـ فتح هذه الفتوح العباس بن الوليد بن عبد الملك ومن الحصون التي فتحها: حصن عمورية وهرقلية وقمونية، وحصن طوانة وسمطية والمرزبانين وطروس، وكثير غير هذه الحصون (?).
ففي جماد الآخرة سنة 88هـ ـ 707م فتح مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد حصن طوانة وشتوا بها، وهزم المسلمون الأعداء حتى صاروا إلى كنيستهم ثم رجعوا فانهزم الناس، وبقي العباس ومعه نُفير، منهم ابن محيريز الجُمحي، فقال العباس لابن محيرز: أين أهل القرآن الذين يريدون الجنة؟ فقال ابن محيريز: نادهم يأتوك. فنادى العباس: يا أهل القرآن، فأقبلوا جميعاً فهزم الله العدو حتى دخلوا طوانة (?). وهكذا لا تمر سنة وإلا ويغزو المسلمون أرض الروم ويستولون على بعض حصونهم ومعاقلهم، ومن الجدير بالذكر أن معظم الذين كانوا يقودون هذه الحملات هم من أبناء البيت الأموي، أولاد الخليفة الوليد نفسه وأخوه مسلمة الذي لم يكد يتخلف سنة واحدة عن غزو أرض الروم، وهذا أمر له مغزاه فقد كان مسلمة هو الذي قاد الجيش الذي حاصر القسطنطينية الحصار الأخير في عهد سليمان ـ كما سنذكر قريباً بإذن الله ـ ومعنى هذا أن اشتراكه المستمر في غزو بلاد الروم كان مقصوداً ليزداد معرفة وخبرة بالطرق والمسالك إلى عاصمة البيزنطيين، التي كانت إحدى الأهداف الرئيسية من هذه الغزوات (?).
من الطبيعي أن تكون عيون البيزنطيين دائماً مفتوحة على حدودهم مع المسلمين، فجبهة الحدود دائماً ملتهبة والغزو الإسلامي لا يكاد يتوقف ولكي يتأكد البيزنطيون من نوايا المسلمين وأهدافهم من وراء هذا النشاط العسكري المستمر، أرسل الإمبراطور البيزنطي انسطاس 713 ـ 716م سفارة إلى دمشق لتستطلع الأخبار عن كثب، وتعرض على الخليفة