ومنزلة من عبد الملك، أو نصحوه أو ذكّروه ولم يكن عبد الملك بعيداً عن أجواء العلماء وطلاب العلم، فقد كان في المدينة في مقبل شبابه مشمراً في طلب العلم وعرف عنه أنه كان يلزم المسجد ولا يكاد يبرحه حتى سمي حمامة المسجد لعبادته، وطول انقطاعه للدراسة مقبلاً على طلب العلم مجلاً لشيوخه، ولما كان متوقد الذكاء، شديد الفطنة، قوي الذاكرة، فقد وعي كل ما سمع منهم، واتقنه لمجالسته لهم (?)، وهذا أكسبه قدرة بحيث صار حجة في المعارف الدينية كقراءة القرآن التي كان يطيل في تلاوتها بالمدينة (?)، كما كان يحضر دراسته بدمشق (?)، وعرف بروايته للحديث وإن كان مقلاً (?)، على الرغم أنه كان ثقة فيما رواه (?)، وروايته مثبتة في الصحيحين البخاري ومسلم (?)، وكان فقيهاً من الفقهاء، ومن أهل العلم بالمغازي والسير (?)، وأخباريا له علم واسع بأحاديث العرب وآثارهم في الجاهلية والإسلام، كثير المحاورة لرواة وسادة القبائل ونسابه له معرفة دقيقة بأنساب العرب وبخاصة أنساب قريش (?) ولذلك كان عارفاً بنفسية العلماء قادراً على التعامل معهم، ومن اشهر العلماء الذين احتك بهم أو كانت له مواقف وعظ أو تذكيراً له هم:
1 ـ قبيصة بن ذؤيب: نشأ قبيصة في المدينة وكان في عداد علماءها ولكنه انتقل إلى الشام بجانب عبد الملك وأصبح من خاصته واختاره عبد الملك لعلاقته القديمة به في المدينة، ولما يتمتع به قبيصة من روح مرنة تراعي الأحوال، وتقدر المواقف، وتوازن بين المصالح وصاحب هذه الروح هو القادر على الصبر والقرب من الخلفاء والسلاطين وهو من يرغب الخلفاء في تقريبه عادة، ومن المواقف ظهرت فيها هذه الروح عند قبيصة ما ذكره ابن سعد في طبقاته، حيث ذكر أن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه دخل على عبد الملك وقربه فقال جابر: يا أمير المؤمنين إن المدينة حيث ترى، وهي طيبة سماها النبي عليه الصلاة والسلام، فأهلها محصورون، فإن رأى أمير المؤمنين أن يصل أرحامهم ويعرف حقهم فعل، قال: فكره ذلك عبد الملك وعرض عنه، وجعل جابر يلح عليه حتى أومأ قبيصة إلى ابنه ـ وهو قائده وكان