جابر قد ذهب بصره ـ أن أسكته، قال: فجعل ابنه يسكته، قال جابر: ويحك؟ ما تصنع بي؟ قال: اسكت فسكت جابر، فلما خرج أخذ قبيصة بيده فقال: يا أبا عبد الله إن هؤلاء القوم صاروا ملوكاً. فقال جابر: أبلى الله بلاءً حسناً فإنه لا عذر لك وصاحبك يسمع منك. قال يسمع ولا يسمع وما وافقه سمع، وقد أمر لك أمير المؤمنين بخمسة ألف درهم، فاستعن بها على زمانك فقبضها جابر (?). فمن هذا الموقف يتضح كيف أدرك قبيصة عدم رضا الخليفة عن فتح هذا الموضوع معه من قبل جابر، وكيف أنهى الموضوع حتى لا يتطور إلى ما لا تحمد عقباه للطرفين، فأشار على ابن جابر بإيقاف والده عن الكلام ثم يطيب خاطر جابر بأخذه بيده، والاعتذار إليه بألا يستغرب هذا التصرف من عبد الملك، فلا يتعامل معه على أنه عبد الملك العالم وإنما على أنه عبد الملك الذي صار ملكاً ينظر إلى الأمور من نافذة الملك ومصالحه، ثم هو يعتذر لنفسه عندما وجه جابر اللوم له بأنه ليس له عذر في عدم المطالبة بحقوق أهل المدينة ما دام له هذه المكانة عند عبد الملك، لأن الأمر ليس كما يتصور جابر وغيره بأنه قادر على تحقيق كل ما يريده من عبد الملك بل الواقع أنه يُسمع ولا يسمع، وفي هذا دليل على مراعاة قبيصة للأحوال والأشخاص (?).
أـ مكانته من عبد الملك: جمع قبيصة عدداً من المهام في عهد عبد الملك، وتعددت مسميات مهامه عند عبد الملك، فيذكر ابن سعد (?)، وابن عساكر، وابن عبد الهادي: إن قبيصة كان على الخاتم والبريد، وأما الذهبي، فقد ذكر هذه المهام السابقة وأضاف أخرى حيث ذكر أنه كان كاتباً لعبد الملك، ووصفه، بأنه الوزير (?). وكان يدخل على عبد الملك طروقاً (?)، وأن عبد الملك تقدم إلى حاجبه فقال: لا يحجب قبيصة أي ساعة جاء من الليل أو نهار إذا كنت خالياً أو كان عندي رجل واحد، أو كنت عند النساء أدخل المجلس ثم أعلمت مكانه. وكانت تأتيه الأخبار قبل عبد الملك فيقرأ الكتب قبله ثم يأتي بها منشورة إلى عبد الملك فيقرأها إعظاماً لقبيصة (?)، فقبيصة بهذا وزيراً لعبد الملك ومستشاراً له وساعده الأيمن في إدارة الدولة وتصريف شئونها، وكان ملازماً له في سفره وإقامته (?).
ب ـ موقف قبيضة من محاولة عبد الملك خلع أخيه عبد العزيز: كان مروان بن الحكم قد عقد ولاية العهد لابنيه عبد الملك ومن بعده عبد العزيز (?)، وبعد وفاة مروان تمت البيعة بالخلافة لعبد الملك بولاية العهد لأخيه عبد العزيز بن مروان من قبل المؤيدين لبني أمية، ثم