فقال ابن الزبير: لو احترق بيت أحدكم ما رضي حتى يُجدده, فكيف ببيت ربكم؟! (?) , ثم إن ابن الزبير استخار الله ثلاثة أيام (?) , ثم عزم في اليوم الرابع على ذلك فرقت الناس وخرج بعضهم هاربًا إلى الطائف وإلى عرفات ومنى وطلع ابن الزبير بنفسه واتخذ معه عبدًا حبشيًا دقيق الساقين رجاء أن يكون ذا السويقتين الحبشي الذي يهدم الكعبة (?) , فبدأ ينقض الرُّكن إلى الأساس, فلما وصلوا إلى الأساس وجدوا أصلاً بالحجر مشبكًا كأصبع اليدين, فدعا ابن الزبير خمسين رجلاً وأشهدهم على ذلك, ثم بنى البيت وأدخل الحجر فيه (?) , وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض, باب يدخل منه, وباب يُخرج منه, ووضع الحجر الأسود بيده وشدَّه بفضة, لأنه كان قد تصدع,
وجعل الكعبة سبعة وعشرين ذراعًا, وكان طولها سبعة عشر ذراعًا فاستقصروه, وزاد في وسع الكعبة عشرة أذرع ولطخ جدرانها بالمسك, وسترها بالديباج, ثم اعتمر من مساجد عائشة (?)
, وطاف بالبيت, وصلى وسعى, وأزال ما كان حول البيت وفي المسجد من الحجارة والزبالة, وما كان حولها من الدماء, وكانت الكعبة قد وهت من أعلاها إلى أسفلها من حجارة المنجنيق واسوَدَّ الركن, وانصدع الحجر الأسود من النار التي كانت حول الكعبة, وكان سبب تجديد ابن الزبير لها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسُّنن من طرق, عن عائشة أم المؤمنين, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت فيها الحجر -فإن قومك قصرت بهم النفقة- ولجعلت لها بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر, ولألصقت بابها بالأرض, فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا» (?) , فبناها ابن الزبير على ذلك كما أخبرته به خالته عائشة أم المؤمنين, عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فجزاه الله خيرًا, ثم لما غلبه الحجاج بن يوسف في سنة 73هـ وقتله وصلبه, هدم الحائط الشمالي وأخرج الحجر كما كان أولاً, وأدخل الحجارة التي هدمها إلى جوف الكعبة فرضَّها فيها, فارتفع الباب, وسدَّ الغربيَّ, وتلك آثاره إلى الآن, وذلك بأمر عبد الملك بن مروان له في ذلك, ولم يكن بلغه الحديث, فلما بلغه الحديث بعد ذلك قال: وددنا أنا تركناه, وما تولى من ذلك (?).
من خلال الدراسة تظهر للباحث أسباب عديدة لسقوط خلافة ابن الزبير وانتصار الأمويين, ومن أهم هذه الأسباب: