1 - اتخاذ الزبير الحجاز مقرًا لخلافته:

يجمع عدد من الباحثين على أن بقاء ابن الزبير في مكة كان من أهم أسباب إخفاقه (?) , ولئن كان توجه ابن الزبير إلى مكة في بداية الأمر له مبرراته (?) , فإن إصراره على البقاء فيها واتخاذها عاصمة لخلافته لم يكن في مصلحته, وذلك لأن مكة بصفة خاصة والحجاز بصفة عامة لم تعد مكانًا صالحًا ليكون مركزًا لدولة كبيرة مترامية الأطراف, فمكة بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه منها, فقدت دورها السياسي الذي قامت به المدينة إلى عهد عثمان بن عفان, ولما نشبت الفتنة وانتقل علي بن أبي طالب إلى الكوفة, واتخذها عاصمة له, ثم اتخذ معاوية ابن أبي سفيان دمشق عاصمة له, بعد أن آلت إليه الخلافة ولم يعد للحجاز -خاصة المدينة ومكة- دوره السياسي السابق, ويمكن أن نجمل أثر بقاء ابن الزبير في مكة على حركته في النقاط التالية (?):

أ- الموقع: فمكة -كما هو معروف- من حيث الموقع بعيدة عن الشام والعراق, وهما الإقليمان اللذان شهدا أهم مراحل الصراع بين ابن الزبير وبني أمية, فهذا البعد لم يتح لابن الزبير الاطلاع ومتابعة ما يحدث من صراع بين الموالين له وخصومه, لاسيما مع ضعف إمكانات الاتصال, وبالتالي فإن ذلك لا يتيح لابن الزبير اتخاذ القرارات المناسبة إزاء ما يجري على الساحة بعكس خصومه الأمويين الذين كانوا يعيشون الأحداث مباشرة, ومن جانب آخر فإن مكة تقع في واد محصور بين عدة جبال شاهقة وهي أشبه ما تكون بالمصيدة لمن يعتصم بها حينما تحاصرها الجيوش من كل جانب, ويقطعون عنها الإمدادات,

وكادت حركة ابن الزبير تخمد منذ وقت مبكر حينما حاصر الحصين بن نمير ابن الزبير داخل مكة سنة 64هـ لولا أن الله أنقذه بوفاة يزيد بن معاوية وانسحاب جيش الحصين إلى الشام.

ب- الناحية الاقتصادية: تعتمد مكة -بشكل خاص- والحجاز -بشكل عام- في مواردهما الاقتصادية على ما يأتيهما من خارجهما, خاصة من الشام ومصر, وانقطاع هذه الموارد يتسبب في إحداث مجاعة ترهق المقيمين فيهما, وقد أفاد بنو أمية من هذا العامل إفادة كبيرة في صراعهم مع ابن الزبير, فبعد سقوط مصر والشام في أيدي الأمويين انقطعت الإمدادات التي تصل إلى المدينة (?) , وبطبيعة الحال فإن مكة سينالها ما نال المدينة, كما لجأ الأمويون إلى هذا السلاح أيام الحصارين الأول والثاني (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015