ليحضني، فمضيت في الخطبة كما كنت، فلما نزلت قال: والله لكأني أسمع خطبة أبى بكر الصديق حين سمعت خطبتك يا بنى (?)، وعن محمد بن عبد الله الثقفي قال: شهدت ابن الزبير بالموسم خرج علينا قبل التروية بيوم وهو محرم، فلبى بأحسن تلبية سمعتها قط، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنكم جئتم من آفاق شتى وفودًا إلى الله عز وجل، فحق على الله أن يكرم وفده، فمن كان منكم يطلب ما عند الله
فإن طالب ما عند الله لا يخيب، فاصدقوا قولكم بفعل، فإن ملاك القول الفعل، والنية النية، القلوب القلوب، الله الله في أيامكم هذه، فإنها أيام تغفر فيها الذنوب، جئتم من آفاق شتى في غير تجارة ولا طلب مال ولا دنيا ترجون هاهنا، ثم لبى ولبى الناس، فما رأيت باكيًا أكثر من يومئذ (?)، وقال سعيد بن المسيب: خطباء قريش في الإسلام: معاوية وابنه، وسعيد وابنه، وعبد الله بن الزبير (?)،
ومن خطبه المشهورة، خطبته في أهل مكة بعد مقتل الحسين - رضي الله عنه -، وخطبته في الخوارج حين ناظرهم، وخطبته بعد مقتل أخيه مصعب في العراق (?)، ومن مواعظه المشهورة ما كتبه لوهب بن كيسان حيث قال: كتب إلىّ عبد الله بن الزبير بموعظة: أما بعد فإن لأهل التقوى علامات يُعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، صدق الحديث، وأداء الأمانة، وكظم الغيظ، وصبر على البلاء، ورضى بالقضاء، وشكر للنعماء، وذلّ لحكم القرآن، وإنما الأيام كالسوق ما نفق فيها حمل إليها، إن نفق الحق عنده حمل إليه وجاءه أهله، وإن نفق الباطل حمل إليه وجاءه أهله (?). ولا شك أن صفة الخطابة والقدرة على الإقناع من أهم الأمور التي يجب أن يتحلى بها أي زعيم، وقد أفاد ابن الزبير من ذلك كثيرًا وكانت فصاحته وقدرته الخطابية عاملاً من عوامل نشر أفكاره والقيم التي آمن بها في حياته.
5 - عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - وجوده: كان عبد الله بن الزبير كريمًا يعطى حقوق الرعية كاملة، ويزيد إلى من يستحق، ولا يدفع إلا بطرق مشروعة، ولكن اتهمه
بعضهم بالبخل إذ لم يكن مبذرًا يعطى عن يمين وعن شمال من لا يستحق، ولم يكن مسرفًا فلا يدفع إلا قدر الحاجة، ولا يُقدّم للمدّاحين والمتزلّفين، وهم عادة أصحاب ألسنة حادة ومنها تخرج الشائعات الهادفة، غير أن ابن الزبير لم يكن يُبالي بما يُقال، ما دام أنه على الجادة (?)، وقد انساق كثير من الباحثين وراء روايات الخصوم واتهموا ابن الزبير بالبخل، وهذا الوصف فيه تجنٍّ على حقيقة ابن الزبير، وللأسف أن أصحاب الدراسات الحديثة لم يلتفتوا إلى الروايات الأخرى التي تنفى صفة البخل عن ابن الزبير (?)، والذي يظهر